وإذا حصل التغاير لزم كونه تعالى مركباً من الأجزاء والأبعاض، وثانيها : أن الجانب الذي صدق حكم العقل عليه بكونه متناهياً، إما أن يكون مساوياً للجانب الذي صدق حكم العقل عليه بكونه غير متناه، وإما أن لا يكون كذلك، والأول باطل، لأن الأشياء المتساوية في تمام الماهية كل ما صح على واحد منها صح على الباقي، وإذا كان كذلك : فالجانب للذي هو غير متناه يمكن أن يصير متناهياً، والجانب الذي هو متناه يمكن أن يصير غير متناه، ومتى كان الأمر كذلك كان النمو والذبول والزيادة والنقصان والتفرق والتمزق على ذاته ممكناً، وكل ما كان كذلك فهو محدث، وذلك على الإله القديم محال، فثبت أنه تعالى لو كان حاصلاً في الحيز والجهة، لكان إما أن يكون غير متناه من كل الجهات وإما أن يكون متناهياً من كل الجهات، أو كان متناهياً من بعض الجهات، وغير متناه من سائر الجهات، فثبت أن الأقسام الثلاثة باطلة، فوجب أن نقول القول بكونه تعالى حاصلاً في الحيز والجهة محال.
والبرهان الثالث : لو كان الباري تعالى حاصلاً في المكان والجهة، لكان الأمر المسمى بالجهة إما أن يكون موجوداً مشاراً إليه، وإما أن لا يكون كذلك، والقسمان باطلان، فكان القول بكونه تعالى حاصلاً في الحيز والجهة باطلاً.
أما بيان فساد القسم الأول : فلأنه لو كان المسمى بالحيز والجهة موجوداً مشاراً إليه، فحينئذ يكون المسمى بالحيز والجهة بعداً وامتداد، والحاصل فيه أيضاً يجب أن يكون له في نفسه بُعْدُ وامتداد، وإلا لامتنع حصوله فيه، وحينئذ يلزم تداخل البعدين، وذلك محال للدلائل الكثيرة، المشهورة في هذا الباب، وأيضاً فيلزم من كون الباري تعالى قديماً أزلياً كون الحيز والجهة أزليين، وحينئذ يلزم أن يكون قد حصل في الأزل موجود قائم بنفسه سوى الله تعالى، وذلك بإجماع أكثر العقلاء باطل.


الصفحة التالية
Icon