وبيان الملازمة : أن الأحياز لما ثبت أنها بأسرها متساوية، فلو اختص ذات الله تعالى بحيز معين لكان اختصاصه به، لأجل أن مخصصاً خصصه بذلك الحيز وكل ما كان فعلاً لفاعل مختار، فهو محدث فوجب أن يكون اختصاص ذات الله بالحيز المعين محدثاً، فإذا كانت ذاته ممتنعة الخلو عن الحصول في الحيز، وثبت أن الحصول في الحيز محدث، وبديهة العقل شاهدة بأن ما لا يخلو عن المحدث فهو محدث، لزم القطع بأنه لو كان حاصلاً في الحيز لكان محدثاً، ولما كان هذا محالاً كان ذلك أيضاً محالاً.
فإن قالوا : الأحياز مختلفة بحسب أن بعضها علو وبعضها سفل، فلم لا يجوز أن يقال ذات الله تعالى مختصة بجهة علو ؟ فنقول : هذا باطل، لأن كون بعض تلك الجهات علو، وبعضها سفلاً، أحوال لا تحصل، إلا بالنسبة إلى وجود هذا العالم، فلما كان هذا العالم محدثاً كان قبل حدوثه لا علو ولا سفل ولا يمين ولا يسار، بل ليس إلا الخلاء المحض، وإذا كان الأمر كذلك، فحينئذ يعود الإلزام المذكور بتمامه، وأيضاً لو جاز القول بأن ذات الله تعالى مختصة ببعض الأحياز على سبيل الوجوب ؟ فلم لا يعقل أيضاً أن يقال : إن بعض الأجسام اختص ببعض الأحياز على سبيل الوجوب ؟ وعلى هذا التقدير، فذلك اسم لا يكون قابلاً للحركة والسكون، فلا يجري فيه دليل حدوث الأجسام، والقائل بهذا القول، لا يمكنه إقامة الدلالة على حدوث كل الأجسام بطريق الحركة والسكون، والكرامية وافقونا على أن تجويز هذا يوجب الكفر والله أعلم.
البرهان السادس : لو كان الباري تعالى حاصلاً في الحيز والجهة لكان مشاراً إليه بحسب الحس وكل ما كان كذلك، فإما أن لا يقبل القسمة بوجه من الوجوه وإما أن يقبل القسمة.