ولما صح أن جميع ما نراه من الذوات خلقه، وما نعلمه من المعاني أمره، أنتج قطعاً قوله ﴿ألا له﴾ أي وحده، وقدم المسبب على السبب ترقية - كما هو مقتضى الحكم - من المحسوس إلى المعقول فقال :﴿الخلق﴾ وهو ما كان من الإيجاد بتسبيب وتنمية وتطوير قال الرازي : فكل ما كان جسماً او جسمانياً كان مخصوصاً بمقدار معين فكان من عالم الخلق، فعالم الخلق بتسخيره، وعالم الأمر بتدبيره، واستيلاء الروحانيات على الجسمانيات بتقديره ﴿والأمر﴾ وهو ما كان من ذلك إخراجاً من العدم من غير تسبب كالروح، وما كان حفظاً وتدبيراً بالكلام كالأديان وكل ما يلاحظ القيومية ؛ وقال الرازي : كل ما كان بريئاً من الحجم والمقدار كان من عالم الأمر، وعد الملائكة من عالم الأمر، فأتنج ذلك قطعاً قوله على سبيل المدح الذي ينقطع دونه الأعناق ويتقاصر دون عليائه ذري الآفاق :﴿تبارك﴾ أي ثبت ثبوتاً لا ثبوت في الحقيقة غيره اليمن والبركة وكثرة الآثار الفاضلة والنتائج الشريفة ﴿الله﴾ أي ذو الجلال والإكرام.
ولما دل على أنه يستحق هذا الثناء لذاته، دل على أنه يستحقه لصفاته فقال :﴿رب العالمين﴾ أي مبدع ذلك كله ومربيه خلقاً وتصريفاً بأمره، وفي الجزء السادس من فوائد المخلص عن سفيان بن عيينة أنه قال : ما يقول هذه الدوبية - يعني بشراً المريسي؟ قالوا : يا أبا محمد! يزعم أن القرآن مخلوق، فقال : كذب، قال الله عزّ وجلّ ﴿ألا له الخلق والأمر﴾ فالخلق خلق الله، والأمر القرآن - انتهى.
وهذا الذي فسر به مما تحتمله الآية بأن يكون الأمر هو المراد بقوله ﴿بأمره﴾ وهو الإرادة والكلام مع احتمال ما قدمته. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٤٠ ـ ٤٣﴾


الصفحة التالية
Icon