وقد شمل الخوف والطّمع جميع ما تتعلّق به أغراض المسلمين نحوّ ربّهم في عاجلهم وآجلهم، ليدعُوا الله بأن ييسِر لهم أسباب حصول ما يطمعون، وأن يجنبهم أسباب حصول ما يخافون.
وهذا يقتضي توجّه همّتهم إلى اجتناب المنهيات لأجل خوفهم من العقاب، وإلى امتثال المأمورات لأجل الطّمع في الثّواب، فلا جرم أنّه اقتضى الأمرَ بالإحسان، وهو أن يعبدُوا الله عبادة من هو حاضر بين يديه فيستحيي من أن يعصيه، فالتّقدير : وادعوه خوفاً وطمعاً وأحسنوا بقرينة تعقيبه بقوله :﴿ إن رحمة الله قريب من المحسنين ﴾.
وهذا إيجاز.
وجملة :﴿ إن رحمة الله قريب من المحسنين ﴾ واقعة موقع التّفريع على جملة ﴿ وادعوه ﴾، فلذلك قرنت بـ ﴿ إن ﴾ الدّالة على التّوكيد، وهو لمجرّد الاهتمام بالخبر، إذ ليس المخاطبون بمتردّدين في مضمون الخبر، ومن شأن ( إن ) إذا جاءت على هذا الوجه أن تفيد التّعليل وربط مضمون جملتها بمضمون الجملة التي قبلها، فتغني عن فاء التّفريع، ولذلك فُصلت الجملة عن التي قبلها فلم تعطف لإغناء ( إنّ ) عن العاطف.
و﴿ رحمة الله ﴾ : إحسانه وإيتاؤه الخبر.
والقرب حقيقته دُنُّو المكان وتجاوره، ويطلق على الرّجاء مجازاً يقال : هذا قريب، أي ممكن مرجو، ومنه قوله :﴿ إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً ﴾ [ المعارج : ٦، ٧ ] فإنّهم كانوا ينكرون الحشر وهو عند الله واقع لا محالة، فالقريب هنا بمعنى المرجو الحصول وليس بقرب مكان.


الصفحة التالية
Icon