والثاني : أنه من أسماء الله، فإن كان دعاء وجب إخفاؤه لقوله تعالى :﴿ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ وإن كان اسماً من أسماء الله تعالى وجب إخفاؤه لقوله تعالى :﴿واذكر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً﴾ [ الأعراف : ٢٠٥ ] فإن لم يثبت الوجوب فلا أقل من الندبية ونحن بهذا القول نقول :
أما قوله تعالى :﴿إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المعتدين﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى :
أجمع المسلمون على أن المحبة صفة من صفات الله تعالى، لأن القرآن نطق بإثباتها في آيات كثيرة.
واتفقوا على أنه ليس معناها شهوة النفس وميل الطبع وطلب التلذذ بالشيء، لأن كل ذلك في حق الله تعالى محال بالاتفاق، واختلفوا في تفسير المحبة في حق الله تعالى على ثلاثة أقوال :
فالقول الأول : أنها عبارة عن أيصال الله الثواب والخير والرحمة إلى العبد.
والقول الثاني : أنها عبارة عن كونه تعالى مريداً لإيصال الثواب والخير إلى العبد.
وهذا الاختلاف بناء على مسألة أخرى وهي : أنه تعالى هل هو موصوف بصفة الإرادة أم لا ؟ قال الكعبي وأبو الحسين : إنه تعالى غير موصوف بالإرادة ألبتة، فكونه تعالى مريداً لأفعال نفسه أنه موجد لها وفاعل لها، وكونه تعالى مريداً لأفعال غيره كونه آمراً بها ولا يجوز كونه تعالى موصوفاً بصفة الإرادة.
وأما أصحابنا ومعتزلة البصرة فقد أثبتوا كونه تعالى موصوفاً بصفة المريدية.
إذا عرفت هذا فمن نفي الإرادة في حق الله تعالى فسر محبة الله بمجرد إيصال الثواب إلى العبد ومن أثبت الإرادة لله تعالى فسر محبة الله بإرادته لإيصال الثواب إليه.
والقول الثالث : أنه لا يبعد أن تكون محبة الله تعالى للعبد صفة وراء كونه تعالى مريداً لإيصال الثواب إليه، وذلك لأنا نجد في الشاهد أن الأب يحب ابنه فيترتب على تلك المحبة إرادة إيصال الخير إلى ذلك الابن فكانت هذه الإرادة أثراً من آثار تلك المحبة وثمرة من ثمراتها وفائدة من فوائدها.


الصفحة التالية
Icon