(ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنْ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)
بَعْدَ أَنَّ بَيَّنَ تَعَالَى لِأُمَّةِ الدَّعْوَةِ تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ وَذَكَّرَهُمْ بِالْآيَاتِ وَالدَّلَائِلِ عَلَيْهَا أَمَرَهُمْ بِمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا لَهَا مِنْ تَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ وَهُوَ إِفْرَادُهُ تَعَالَى بِالْعِبَادَةِ رُوحُهَا وَمُخُّهَا الدُّعَاءُ فَقَالَ :
(ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً) التَّضَرُّعُ تَفَعُّلٌ مِنَ الضَّرَاعَةِ مَعْنَاهُ تَكَلُّفُهَا أَوِ الْمُبَالَغَةُ فِيهَا أَوْ إِظْهَارُهَا وَاخْتَارَهُ الرَّاغِبُ، وَهِيَ مَصْدَرُ ضَرَعَ كَخَشَعَ إِذَا ضَعُفَ وَذَلَّ، وَتَلَوَّى وَتَمَلْمَلَ، وَمَأْخَذُهَا مِنْ قَوْلِهِمْ ضَرَعَ إِلَيْهِمْ إِذَا تَنَاوَلَ ضَرْعَ أُمِّهِ، وَإِنَّ حَاجَةَ الصَّغِيرِ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالْإِنْسَانِ إِلَى الرِّضَاعِ مِنْ أَمِّهِ لَمِنْ أَشَدِّ مَظَاهِرِ الْحَاجَةِ وَالِافْتِقَارِ بِشُعُورِ الْوِجْدَانِ إِلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ لَا يَتَوَجَّهُ إِلَى غَيْرِهِ مَعَهُ، وَلِذَلِكَ خُصَّ اسْتِعْمَالُ التَّضَرُّعِ فِي التَّنْزِيلِ بِمَوَاطِنِ الشِّدَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْآيَاتِ ٤٢، ٤٣، ٦٣ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ، وَمِثْلُهُ فِي سُورَةِ " الْمُؤْمِنُونَ " (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) (٧٦) وَذَلِكَ أَنَّ دُعَاءَ اللهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَلَا سِيَّمَا فِي حَالِ الشِّدَّةِ هُوَ مُخُّ الْعِبَادَةِ وَرُوحُهَا، وَلَهُ مَظْهَرَانِ : التَّضَرُّعُ وَالِابْتِهَالُ،


الصفحة التالية
Icon