وَهَذَا تَحَكُّمٌ فِي اللُّغَةِ وَجَهْلٌ بِهَا، فَأَهْلُ اللُّغَةِ كَانُوا يُسَمُّونَ ذَلِكَ عِبَادَةً، وَالْوَسِيلَةُ فِي الدِّينِ هِيَ غَايَةٌ لِلْعِبَادَةِ، فَإِنَّ مَعْنَاهَا الْقُرْبُ مِنْهُ تَعَالَى، وَالتَّوَسُّلُ طَلَبُ ذَلِكَ، فَهُوَ التَّقَرُّبُ مِنْهُ بِمَا يَرْتَضِيهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ بِمَا شَرَعَهُ مِنْ عِبَادَتِكَ لَهُ دُونَ عِبَادَةِ غَيْرِكَ (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) (٥٣ : ٣٩) وَالَّذِينَ عَبَدُوا الْمَلَائِكَةَ وَالْأَنْبِيَاءَ وَالْأَوْلِيَاءَ كَانُوا يَقْصِدُونَ بِدُعَائِهِمْ أَنْ يُقَرِّبُوهُمْ إِلَى اللهِ زُلْفَى وَأَنْ يَشْفَعُوا لَهُمْ عِنْدَهُ، وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ نَفْعَهُمْ وَلَا كَشْفَ الضُّرِّ عَنْهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، بَلْ ذَلِكَ هُوَ اللهُ الَّذِي يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ. وَآيَاتُ الْقُرْآنِ صَرِيحَةٌ فِي ذَلِكَ. نَعَمْ إِنَّ طَلَبَ الدُّعَاءِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَشْرُوعٌ مِنَ الْأَحْيَاءِ دُونَ الْأَمْوَاتِ، وَيُسَمَّى فِي اللُّغَةِ تَوَسُّلًا إِلَى اللهِ لِأَنَّهُ قَدْ شَرَعَهُ، وَمِنْهُ تَوَسُّلُ عُمَرَ وَالصَّحَابَةِ بِالْعَبَّاسِ، بَدَلًا مِنَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَمَا يُشْرَعُ بَعْدَهَا مِنَ الدُّعَاءِ. فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ هَذَا قَالُوا : إِنَّ مَا وَرَدَ مِنْ ذَمِّ دُعَاءِ غَيْرِ اللهِ وَالتَّقَرُّبِ بِهِ إِلَى اللهِ خَاصٌّ بِالْمُشْرِكِينَ، وَمَا يُعَابُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لَا يُعَابُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَأَنْتُمْ تُحَمِّلُونَ الْآيَاتِ فِي الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ! ! وَهَذَا الْقَوْلُ جَهْلٌ


الصفحة التالية
Icon