وقد وقف العلماء عند كلمة " قريب " هذه، وتساءل بعضهم عن سرّ عدم مجيء تاء التأنيث بعد لفظ الجلالة؟ ونعلم أن القرآن قد نزل بلغة العرب، وعند العرب ألفاظ يستوي فيها التذكير والتأنيث، وما يقال للمذكر مثلما يقال للمؤنث، فنقول :" رجل صبور "، و" امرأة صبور "، ولا نقول : صبورة ونقول :" رجل معطار " أي يكثر استخدام العطر، و" امرأة معطار " أي تكثر استخدام العطر. ونقول : قريب مثلما نقول : قتيل بمعنى مقتول. فيقال :" رجل قتيل " و" امرأة قتيل "، ولا يقال :" قتيلة " إلا إذا لم يذكر معها كلمة امرأة أو ما يدل على التأنيث، لأن القتيل للذكر وللأنثى.
هذه هي ألفاظ صحيح اللغة. وقد صنعت اللغة ذلك بأسانيد، فأنت حين نقول :" رجل صبور " أو " امرأة صبور " فالصبر يقتضي الجلد والعزم والشدة ؛ لذلك لا نقول :" امرأة صبور " بل نأتي بالوصف المناسب للجَلَد والشدة. وإياك أن تضعفها بحكاية التأنيث، وكذلك " رجل معطار " و" امرأة معطار "، والرجل المعطار هو من تعرفه الناس من نفاذ رائحة عطره، والمرأة مبنية على الستر. فإن تعطرت فهي قد تشبهت بالرجل ويقال لها :" امرأة معطار "، وحين ننظر إلى كلمة " قريب " فهي من صيغة " فعيل " التي يستوي فيها المذكر والمؤنث ؛ بدليل أن الله قال :﴿... وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ﴾ [ التحريم : ٤ ]
والملائكة لفظها لفظ مؤنث، ولم يقل الحق " ظهيرة "، لأن " ظهير " يعني مُعين، والمعونة تتطلب القوة والعزم والمدد ؛ لذلك جاء لها باللفظ المناسب الذي يدل على القوة وهو " ظهير ". وكذلك قوله الحق :﴿... إِنَّ رَحْمَتَ الله قَرِيبٌ مِّنَ المحسنين ﴾ [ الأعراف : ٥٦ ]