وَأَمَّا قَوْلُ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ﴿ إنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ فَالْمُرَادُ بِالسَّمْعِ هَاهُنَا السَّمْعُ الْخَاصُّ وَهُوَ سَمْعُ الْإِجَابَةِ وَالْقَبُولِ لَا السَّمْعُ الْعَامُّ ؛ لِأَنَّهُ سَمِيعٌ لِكُلِّ مَسْمُوعٍ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالدُّعَاءُ : دُعَاءُ الْعِبَادَةِ وَدُعَاءُ الطَّلَبِ وَسَمْعُ الرَّبِّ تَعَالَى لَهُ إثَابَتُهُ عَلَى الثَّنَاءِ وَإِجَابَتُهُ لِلطَّلَبِ فَهُوَ سَمِيعُ هَذَا وَهَذَا. وَأَمَّا قَوْلُ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ ﴿ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴾ فَقَدْ قِيلَ : إنَّهُ دُعَاءُ الْمَسْأَلَةِ وَالْمَعْنَى : أَنَّك عَوَّدْتَنِي إجَابَتَك وَلَمْ تُشْقِنِي بِالرَّدِّ وَالْحِرْمَانِ ؛ فَهُوَ تَوَسُّلٌ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِمَا سَلَفَ مِنْ إجَابَتِهِ وَإِحْسَانِهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ هَاهُنَا. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى ﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ ﴾ الْآيَةُ : فَهَذَا الدُّعَاءُ : الْمَشْهُورُ أَنَّهُ دُعَاءُ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ سَبَبُ النُّزُولِ. قَالُوا : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو رَبَّهُ فَيَقُولُ مَرَّةً :" يَا اللَّهُ " وَمَرَّةً " يَا رَحْمَنُ " فَظَنَّ الْمُشْرِكُونَ أَنَّهُ يَدْعُو إلَهَيْنِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ ﴿ إنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ﴾ فَهَذَا دُعَاءُ الْعِبَادَةِ الْمُتَضَمِّنُ لِلسُّلُوكِ رَغْبَةً وَرَهْبَةً وَالْمَعْنَى : إنَّا كُنَّا نُخْلِصُ لَهُ الْعِبَادَةَ ؛ وَبِهَذَا اسْتَحَقُّوا أَنْ وَقَاهُمْ اللَّهُ عَذَابَ السُّمُومِ لَا بِمُجَرَّدِ السُّؤَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ النَّاجِي وَغَيْرِهِ ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ