و " الثَّانِيَةُ " طَلَبِيَّةٌ. وَهِيَ قَوْله تَعَالَى ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إصْلَاحِهَا ﴾ وَالْجُمْلَتَانِ مُقَرِّرَتَانِ لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى مُؤَكِّدَتَانِ لِمَضْمُونِهَا. ثُمَّ لَمَّا تَمَّ تَقْرِيرُهَا وَبَيَانُ مَا يُضَادُّهُ أَمَرَ بِدُعَائِهِ خَوْفًا وَطَمَعًا ؛ لِتَعَلُّقِ قَوْلِهِ ﴿ إنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾. وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ :﴿ وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ﴾ مُشْتَمِلًا عَلَى جَمِيعِ مَقَامَاتِ الْإِيمَانِ وَالْإِحْسَانِ وَهِيَ الْحُبُّ وَالْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ : عَقَّبَهَا بِقَوْلِهِ ﴿ إنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ أَيْ : إنَّمَا تَنَالُ مَنْ دَعَاهُ خَوْفًا وَطَمَعًا فَهُوَ الْمُحْسِنُ وَالرَّحْمَةُ قَرِيبٌ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ مَدَارَ الْإِحْسَانِ عَلَى هَذِهِ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ. وَلَمَّا كَانَ دُعَاءُ التَّضَرُّعِ وَالْخُفْيَةِ يُقَابِلُ الِاعْتِدَاءَ بِعَدَمِ التَّضَرُّعِ وَالْخُفْيَةِ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ إنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾. وَانْتِصَابُ قَوْلِهِ :﴿ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾ ﴿ خَوْفًا وَطَمَعًا ﴾ عَلَى الْحَالِ أَيْ اُدْعُوهُ مُتَضَرِّعِينَ إلَيْهِ مُخْتَفِينَ خَائِفِينَ مُطِيعِينَ. وَقَوْلُهُ :﴿ إنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ فِيهِ تَنْبِيهٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّ فِعْلَ هَذَا الْمَأْمُورِ هُوَ الْإِحْسَانُ الْمَطْلُوبُ مِنْكُمْ وَمَطْلُوبُكُمْ أَنْتُمْ مِنْ