فصل فى منزلة الخوف
قال ابن القيم :
ومن منازل ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ منزلة (الخوف).
وهى من أجل منازل الطريق وأنفعها للقلب وهي فرض على كل أحد.
قال الله تعالى ٣ : ١٧٥ ﴿فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ وقال تعالى ٢ : ٤٠ ﴿فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ وقال ٥ : ٤٤ ﴿فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْن ﴾ ومدح
أهله في كتابه وأثنى عليهم فقال ٢٣ : ٥٧، ٦١ ﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ، إلى ـ قوله ـ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ وفي المسند والترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت "يا رسول الله قول الله ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَة﴾ أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق قال: لا يا ابنة الصديق ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه" قال الحسن: "عملوا والله بالطاعات واجتهدوا فيها وخافوا أن ترد عليهم إن المؤمن جمع إحسانا وخشية والمنافق جمع إساءة وأمنا".
و(الوجل) و(الخوف) و(الخشية) و(الرهبة) ألفاظ متقاربة غير مترادفة قال أبو القاسم الجنيد: "الخوف توقع العقوبة على مجارى الانفاس".
وقيل: الخوف اضطراب القلب وحركته من تذكر المخوف.
وقيل: الخوف قوة العلم بمجاري الأحكام وهذا سبب الخوف لا أنه نفسه.
وقيل: الخوف هرب القلب من حلول المكروه عند استشعاره.
و(الخشية) أخص من الخوف فإن الخشية للعلماء بالله قال الله تعالى: ٣٥ : ٢٨ ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾ فهي خوف مقرون بمعرفة وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني أتقاكم لله وأشدكم له خشية".
فالخوف حركة والخشية انجماع وانقباض وسكون فإن الذي يرى العدو والسيل ونحو ذلك: له حالتان.
إحداهما: حركة للهرب منه وهي حالة الخوف.