الجنة ولقي فيها آدم ما لقي ولا تغتر بكثرة العبادة فإن إبليس بعد طول العبادة لقي ما لقي ولا تغتر بكثرة العلم فإن بلعام بن باعورا لقي ما لقي وكان يعرف الاسم الأعظم ولا تغتر بلقاء الصالحين ورؤيتهم فلا شخص أصلح من النبي ﷺ ولم ينتفع بلقائه أعداؤه والمنافقون".
والخوف ليس مقصودا لذاته بل هو مقصود لغيره قصد الوسائل ولهذا يزول بزوال المخوف فإن أهل الجنة لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
والخوف يتعلق بالأفعال والمحبة تتعلق بالذات والصفات ولهذا تتضاعف محبة المؤمنين لربهم إذا دخلوا دار النعيم ولا يلحقهم فيها خوف ولهذا كانت منزلة المحبة ومقامها أعلى وأرفع من منزلة الخوف ومقامه".
والخوف المحمود الصادق: ما حال بين صاحبه وبين محارم الله عز وجل فإذا تجاوز ذلك خيف منه اليأس والقنوط.
قال أبو عثمان: "صدق الخوف هو الورع عن الآثام ظاهرا وباطنا".
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: "الخوف المحمود: ما حجزك عن محارم الله".
وقال صاحب المنازل:
"الخوف: هو الانخلاع من طمأنينة الأمن بمطالعة الخبر".
يعني الخروج عن سكون الأمن باستحضار ما أخبر الله به من الوعد والوعيد.
قال: "وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى: الخوف من العقوبة وهو
الخوف الذي يصح به الإيمان وهو خوف العامة وهو يتولد من تصديق الوعيد وذكر الجناية ومراقبة العاقبة".
الخوف مسبوق بالشعور والعلم فمحال خوف الإنسان مما لا شعور له به.
وله متعلقان أحدهما: نفس المكروه المحذور وقوعه والثاني: السبب والطريق المفضي إليه فعلى قدر شعوره بإفضاء السبب إلى المخوف وبقدر المخوف: يكون خوفه وما نقص من شعوره بأحد هذين نقص من خوفه بحسبه.
فمن لم يعتقد أن سبب كذا يفضي إلى محذور كذا: لم يخف من ذلك السبب ومن اعتقد أنه يفضي إلى مكروه ما ولم يعرف قدره: لم يخف منه ذلك الخوف فإذا عرف قدر المخوف وتيقن إفضاء السبب إليه: حصل له الخوف.