فقوله :﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ﴾ منع عن إدخال ماهية الإفساد في الوجود، والمنع من إدخال الماهية في الوجود يقتضي المنع من جميع أنواعه وأصنافه، فيتناول المنع من الإفساد في هذه الأقسام الخمسة، وأما قوله :﴿بَعْدَ إصلاحها﴾ فيحتمل أن يكون المراد بعد أن أصلح خلقتها على الوجه المطابق لمنافع الخلق والموافق لمصالح المكلفين، ويحتمل أن يكون المراد بعد إصلاح الأرض بسبب إرسال الأنبياء وإنزال الكتب كأنه تعالى قال : لما أصلحت مصالح الأرض بسبب إرسال الأنبياء وإنزال الكتب وتفصيل الشرائع فكونوا منقادين لها، ولا تقدموا على تكذيب الرسل وإنكار الكتب والتمرد عن قبول الشرائع، فإن ذلك يقتضي وقوع الهرج والمرج في الأرض، فيحصل الإفساد بعد الإصلاح، وذلك مستكره في بداهة العقول.
المسألة الثانية :
هذه الآية تدل على أن الأصل في المضار الحرمة والمنع على الإطلاق.
إذا ثبت هذا فنقول : إن وجدنا نصاً خاصاً دل على جواز الإقدام على بعض المضار قضينا به تقديماً للخاص على العام وإلا بقي على التحريم الذي دل عليه هذا النص.
واعلم أنا كنا قد ذكرنا في تفسير قوله تعالى :﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ والطيبات مِنَ الرزق﴾ [ الأعراف : ٣٢ ] أن هذه الآية تدل على أن الأصل في المنافع واللذات الإباحة والحل، ثم بينا أنه لما كان الأمر كذلك دخل تحت تلك الآية جميع أحكام الله تعالى، فكذلك في هذه الآية أنها تدل على أن الأصل في المضار والآلام، الحرمة.


الصفحة التالية
Icon