وقال ابن عطية :
قوله تعالى :﴿ ولا تفسدوا في الأرض ﴾ الآية،
ألفاظ عامة تتضمن كل إفساد قلَّ أو كثر بعد إصلاح، قل أو كثر، والقصد بالنهي هو على العموم وتخصيص شيء دون شيء في هذا تحكم إلا أن يقال على وجهة المثال، قال الضحاك : معناه لا تغوروا الماء المعين ولا تقطعوا الشجر المثمر ضراراً، وقد ورد قطع الدينار والدرهم من الفساد في الأرض، وقد قيل تجارة الحكام من الفساد في الأرض، وقال بعض الناس : المراد ولا تشركوا في الأرض بعد أن أصلحها الله ببعثة الرسل وتقرير الشرائع ووضوح ملة محمد ﷺ، وقائل هذه المقالة قصد إلى أكبر فساد بعد أعظم صلاح فخصه بالذكر.
وقوله تعالى :﴿ وادعوه خوفاً وطمعاً ﴾ أمر بأن يكون الإنسان في حالة ترقب وتحزن وتأميل الله عز وجل حتى يكون الرجاء والخوف كالجناحين للطائر يحملانه في طريق استقامة وإن انفرد أحدهما هلك الإنسان، وقد قال كثير من العلماء ينبغي أن يغلب الخوف الرجاء طول الحياة، فإذا جاء الموت غلب الرجاء، وقد رأى كثير من العلماء أن يكون الخوف أغلب على المرء بكثير، وهذا كله احتياط ومنه تمني الحسن البصري أن يكون الرجل الذي هو آخر من يدخل الجنة، وتمنى سالم مولى أبي حذيفة أن يكون من أصحاب الأعراف لأن مذهبه أنهم مذنبون، ثم أنس قوله تعالى :﴿ إن رحمت الله قريب من المحسنين ﴾ فإنها آية وعد فيها تقييد بقوله ﴿ من المحسنين ﴾.
واختلف الناس في وجه حذف التاء من ﴿ قريب ﴾ في صفة الرحمة على أقوال، منها أنه على جهة النسب أي ذات قرب، ومنها أنه لما كان تأنيثها غير حقيقي جرت مجرى كف خضيب ولحية دهين، ومنها أنها بمعنى مذكر فذكر الوصف لذلك.