قال النبيّ ﷺ :" لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظنّ بالله " صحيح أخرجه مسلم.
قوله تعالى :﴿ إِنَّ رَحْمَةَ الله قَرِيبٌ مِّنَ المحسنين ﴾ ولم يقل قريبة.
ففيه سبعة أوجه : أوّلها أن الرَّحمة والرُّحْمُ واحد، وهي بمعنى العفو والغفران ؛ قاله الزجاج واختاره النحاس.
وقال النّضْر بن شُمَيْل : الرحمة مصدر، وحقّ المصدر التذكير ؛ كقوله :﴿ فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ ﴾ [ البقرة : ٢٧٥ ].
وهذا قريب من قول الزجاج ؛ لأن الموعظة بمعنى الوعظ.
وقيل : أراد بالرحمة الإحسان ؛ ولأن ما لا يكون تأنيثه حقيقياً جاز تذكيره ؛ ذكره الجوهريّ.
وقيل : أراد بالرحمة هنا المطر ؛ قاله الأخفش.
قال : ويجوز أن يذكّر كما يذكّر بعض المؤنث.
وأنشد :
فلا مُزْنَةٌ وَدَقَت وَدْقَها...
ولا أرضَ أبْقَلَ إبْقَالَها
وقال أبو عبيدة : ذُكّر "قَرِيبٌ" على تذكير المكان، أي مكاناً قريباً.
قال عليّ بن سليمان : وهذا خطا، ولو كان كما قال لكان "قَرِيبٌ" منصوباً في القرآن ؛ كما تقول : إن زيداً قريباً منك.
وقيل : ذكّر على النسب ؛ كأنه قال : إن رحمة الله ذات قُرْب ؛ كما تقول : امرأة طالق وحائض.
وقال الفَرّاء : إذا كان القريب في معنى المسافة يذكّر ويؤنّث، وإن كان في معنى النَسب يؤنث بلا اختلاف بينهم.
تقول : هذه المرأة قريبتي، أي ذات قرابتي ؛ ذكره الجوهريّ.
وذكر غيره عن الفرّاء : يقال في النسب قريبة فلان، وفي غير النسب يجوز التذكير والتأنيث ؛ يقال : دارك مِنّا قريبٌ، وفلانة منا قريب ؛ قال الله تعالى :﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة تَكُونُ قَرِيباً ﴾ [ الأحزاب : ٦٣ ].
وقال من احتج له : كذا كلام العرب ؛ كما قال امرؤ القيس :
له الوَيْلُ إن أمْسَى ولا أمَّ هاشم...
قرِيبٌ ولا البَسْبَاسَةُ ابنة يَشْكُرا
قال الزجاج : وهذا خطأ ؛ لأن سبيل المذكر والمؤنث أن يجريا على أفعالهما. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٧ صـ ﴾