﴿ وادعوه خوفاً وطمعاً ﴾ لما كان الدّعاء من الله بمكان كرره فقال أولاً ﴿ ادعوا ربكم تضرّعاً وخفية ﴾ وهاتان الحالتان من الأوصاف الظاهرة لأن الخشوع والاستكانة وإخفاء الصوت ليست من الأفعال القلبية أي وجلين مشفقين وراجين مؤملين فبدأ أوّلاً بأفعال الجوارح ثم ثانياً بأفعال القلوب وانتصب ﴿ خوفاً وطمعاً ﴾ على أنهما مصدران في موضع الحال أو انتصاب المفعول له وعطف أحدهما على الآخر يقتضي أن يكون الخوف والرجاء متساويين ليكونا للإنسان كالجناحين للطائر يحملانه في طريق استقامة فإن انفرد أحدهما هلك الإنسان وقد قال كثير من العلماء : ينبغي أن يغلب الخوف الرّجاء طول الحياة فإذا جاء الموت غلب الرّجاء ورأى كثير من العلماء أن يكون الخوف أغلب ومنه تمنى الحسن البصري أن يكون الرجل الذي هو آخر من يدخل الجنة وتمنّى سالم مولى أبي حذيفة أن يكون من أصحاب الأعراف لأنّ مذهبه أنهم مذنبون وسالم هذا من رتبة الدّين والفضل بحيث قال عمر بن الخطاب كلاماً معناه لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّاً لولّيته الخلافة وأبعد من ذهب إلى أن المعنى خوفاً من الردّ وطمعاً في الإجابة.
﴿ إن رحمة الله قريب من المحسنين ﴾ قال الزمخشري : كقوله :﴿ وإني لغفّار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ﴾، انتهى.
يعني أنّ الرحمة مختصة بالمحسن وهو من تاب وآمن وعمل صالحاً وهذا كله حمل القرآن وإنما على مذهبه من الاعتزال والرحمة مؤنثة فقياسها أن يخبر عنها إخبار المؤنّث فيقال قريبة، فقيل : ذكر على المعنى لأنّ الرحمة بمعنى الرحم والترحّم، وقيل : ذكر لأنّ الرحمة بمعنى الغفران والعفو قاله النضر بن شميل واختاره الزّجاج، وقيل بمعنى المطر قاله الأخفش أو الثواب قاله ابن جبير فالرحمة في هذه الأقوال بدل عن مذكر.