وقوله تعالى :﴿ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ إشارة إلى المعنى الذي ذكرناه لأن التضرع لا يحصل إلا من الناقص في حضرة الكامل فما لم يعتقد العبد نقصان نفسه وكمال مولاه في العلم والقدرة والرحمة لم يقدم على التضرع، فثبت أن المقصود من الدعاء ما ذكرناه، فثبت أن لفظ القرآن دليل عليه والذي يقوي ما ذكرناه ما روي أنه عليه السلام قال :" ما من شيء أكرم على الله من الدعاء والدعاء هو العبادة " ثم قرأ :﴿إِنَّ الذين يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخرين﴾ [ غافر : ٦٠ ] وتمام الكلام في حقائق الدعاء مذكور في سورة البقرة في تفسير قوله :﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ﴾ [ البقرة : ١٨٦ ] والله أعلم.
المسألة الثانية :
في تقرير شرائط الدعاء.
اعلم أن المقصود من الدعاء أن يصير العبد مشاهداً لحاجة نفسه ولعجز نفسه ومشاهداً لكون مولاه موصوفاً بكمال العلم والقدرة والرحمة، فكل هذه المعاني دخلت تحت قوله :﴿ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا﴾ ثم إذا حصلت هذه الأحوال على سبيل الخلوص، فلا بد من صونها عن الرياء المبطل لحقيقة الإخلاص، وهو المراد من قوله تعالى :﴿وَخُفْيَةً﴾ والمقصود من ذكر التضرع تحقيق الحالة الأصلية المطلوبة من الدعاء والمقصود من ذكر الإخفاء صون ذلك الأخلاص عن شوائب الرياء، وإذا عرفت هذا المعنى ظهر لك أن قوله سبحانه :﴿تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ مشتمل على كل ما يراد تحقيقه وتحصيله في شرائط الدعاء، وأنه لا يزيد عليه ألبتة بوجه من الوجوه، وأما تفصيل الكلام في تلك الشرائط، فقد بالغ في شرحها الشيخ سليمان الحليمي رحمة الله عليه في كتاب المنهاج فليطلب من هناك.
المسألة الثالثة :
"التضرع" التذلل والتخشع، وهو إظهار ذل النفس من قولهم : ضرع فلان لفلان، وتضرع له إذا أظهر الذل له في معرض السؤال "والخفية" ضد العلانية.


الصفحة التالية
Icon