ومن جمع الريح في هذه الآية فهو أسعد، وذلك أن الرياح حيث وقعت في القرآن فهي مقترنة بالرحمة كقوله ﴿ ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات ﴾ [ الروم : ٤٥ ] وقوله ﴿ وأرسلنا الرياح لواقح ﴾ [ الحجر : ٢٢ ] وقوله ﴿ الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً ﴾ [ الروم : ٤٨ ] وأكثر ذكر الريح مفردة، إنما هو بقرينة عذاب، كقوله ﴿ وفي عاد إذا أرسلنا عليهم الريح العقيم ﴾ [ الذاريات : ٤١ ] وقوله ﴿ وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية ﴾ [ الحاقة : ٦ ] وقوله ﴿ بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها ﴾ [ الأحقاف : ٢٤ ] نحا هذا المنحى يحيى بن يعمر وأبو عمرو بن العلاء وعاصم، وفي الحديث أن رسول الله ﷺ كان إذا هبت الريح يقول " اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً ".
قال القاضي أبو محمد : والمعنى في هذا كله بين، وذلك أن ريح السقيا والمطر أنها هي منتشرة لينة تجيء من هاهنا وتتفرق فيحسن من حيث هي منفصلة الأجزاء متغايرة المهب يسيراً أن يقال لها رياح، وتوصف بالكثرة ريح الصر والعذاب، عاصفة صرصر جسد واحد شديدة المر مهلكة بقوتها وبما تحمله أحياناً من الصر المحرق، فيحسن من حيث هي شديدة الاتصال أن تسمى ريحاً مفردة، وكذلك أفردت الريح في قوله تعالى :﴿ وجرين بهم بريح طيبة ﴾ [ يونس : ٢٢ ] من حيث جري السفن إنما جرت بريح متصلة كأنها شيء واحد فأفردت لذلك ووصفت بالطيب إزالة الاشتراك بينها وبين الريح المكروهة، وكذلك ريح سليمان عليه السلام إنما كانت تجري بأمره أو تعصف في حقوله وهي متصلة، وبعد فمن قرأ في هذه الآية الريح بالإفراد فإنما يريد به اسم الجنس، وأيضاً فتقيدها ب " نشر " يزيل الاشتراك.


الصفحة التالية
Icon