وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَهُوَ الذي يُرْسِلُ الرياح بُشْرىً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ﴾
عطف على قوله :"يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ".
ذكر شيئاً آخر من نعمه، ودل على وحدانيته وثبوت إلَهِيّتِه.
وقد مضى الكلام في الريح في "البقرة".
ورياح جمع كثرة، وأرواح جمع قِلة.
وأصل ريح رِوح.
وقد خطىء من قال في جمع القلة أرياح.
﴿ بُشْراً ﴾ فيه سبع قراءات : قرأ أهل الحرمين وأبو عمرو "نُشُراً" بضم النون والشين جمع ناشر على معنى النسب، أي ذات نشر ؛ فهو مثلُ شاهد وشُهُد.
ويجوز أن يكون جمع نَشُور كرَسُول ورُسُل.
يقال : ريح النشور إذا أتت من هاهنا وهاهنا.
والنَّشُور بمعنى المنشور ؛ كالرّكوب بمعنى المركوب.
أي وهو الذي يرسل الرياح منشرة.
وقرأ الحسن وقتادة "نُشْراً" بضم النون وإسكان الشين مخفَّفاً من نُشُر ؛ كما يقال : كُتْب ورُسْل.
وقرأ الأعمش وحمزة "نَشْراً" بفتح النون وإسكان الشين على المصدر، أعمل فيه معنى ما قبله ؛ كأنه قال : وهو الذي ينشر الرّياح نشْراً.
نشرت الشيء فانتشر، فكأنها كانت مطوية فنُشرت عند الهُبُوب.
ويجوز أن يكون مصدراً في موضع الحال من الرياح ؛ كأنه قال يرسل الرياح مُنْشرة، أي مُحيية ؛ من أنْشر الله الميتَ فنَشَر، كما تقول أتانا ركضاً، أي راكضاً.
وقد قيل : إن نَشْراً ( بالفتح ) من النَّشْر الذي هو خلاف الطي على ما ذكرنا.
كأن الريح في سكونها كالمطوية ثم ترسل من طَيِّها ذلك فتصير كالمنفتحة.
وقد فسره أبو عبيد بمعنى متفرِّقة في وجوهها، على معنى ينشرها ها هنا وها هنا.
وقرأ عاصم :"بُشْراً" بالباء وإسكان الشين والتنوين جمع بشير، أي الرياح تبشر بالمطر.
وشاهده قوله :﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرياح مُبَشِّرَاتٍ ﴾ [ الروم : ٤٦ ].
وأصل الشين الضم، لكن سكِّنت تخفيفاً كرسُل ورُسْل.
وروى عنه "بَشْراً" بفتح الباء.


الصفحة التالية
Icon