والجواب عن ذلك : ان الآيات الثلاث محرزة أجل إيجاز وأبلغه، وان آية الروم لم يسقط منها شئ من التعريف بسوق السحاب إلى البلد الميت وإنما الحاصل على ما زيد فيها من بيان حال السحاب ما قصد من تحريك المعتبر وتنبيهه على ما فيه أعظم دلالة وأوضح برهان، ألا ترى تقديم قوله :"ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته " وجليل موقع هذه الاستعارة وقوله :"ولتجرى الفلك بأمره " ثم أشير إلى تسخير الفلك بقوله :"ولتبتغوا من فضله " فقد ورد هنا تعداد نعم جليلة فلما عاد الكلام إلى ارسال الرياح وذكر إثارتها السحاب اتبع ذلك بما يناسب فقال تعالى :"يبسطه فى السماء كيف يشاء "والإشارة إلى ما تؤمه السحاب ببسطه سبحانه إياها فتوارى من أقطار الأرض وجهاتها ما يشاء سبحانه إحياءه وسقيه ويجعلها سبحانه كسفا أى قطعا متخلخلة لنفوذ ما تحملت من الماء فينبعث الماء من تلك المسام كانبعاث العرق من مسام الأجساد :"فترى الودق يخرج من خلاله " وبحسب ما حملها سبحانه أو ثقلها من الماء يكون المرسل عنها فى الكثرة وما دونها :"فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون " فلما انبنت هذه الآية على ما قصد من زيادة التنبيه وتوفيه الاعتبار خصت بما لم يقع فى آيتى الأعراف والملائكة وإنما لم يذكر هنا سوقها للبلد الميت لحصول ذلك من قوله بعد :"فتنظر إلى أثر رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها " فلو قيل أولا :"فسقناه إلى بلد ميت " لكان تكرارا فإذا تأملت ما ذكرناه وعظيم التنبيه مع جليل الإيجاز بحسب ما قصد وعلى البلاغة وموجب المزيد فى آية الروم وما يستدعيه المكتنفان لهما من قوله قبلها :"ومن آياته أن يرسل الرياح " وقوله بعدها :"فانظر إلى أثر رحمة الله..."الآية وتحريك المعتبر ولم يذكر ذلك فى الأخريين ويتبين لك أنه لم ينقص منها شئ وإن كلا منها وارد على ما يجب ولم يكن ليناسب خلافه والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon