وقال أبُو حيَّان : فرقٌ بين قولك : سقتُ له مالاً، وسُقْتُ لأجله مالاً، بأنَّ سُقْتُ له أوْصَلْتُ إليه، وأبْلَغْتَهُ إيَّاهُ، بخلاف سُقْتُهُ لأجْلِهِ، فإنَّهُ لا يلزمُ منه إلاَّ إيصاله له، فقد يسوق المال لغير لأجلي، وهو واضح.
وقيل : هذه اللامُ بمعنى " إلى "، يقال : هَدَيْتُهُ للدِّين، أو إلى الدِّين.
وتقدَّم الخلافُ في تخفيف " مَيِّتٍ " وتثقيله في آل عمران وجاء هنا وفي الروم [ ٤٦ ] ﴿ يُرْسِلُ ﴾ بلفظ المستقبل مناسبة لما قبله، فإنَّ قبله :" ادْعُوهُ خَوْفاً " وهو مستقبلَ، وفي الروم [ ٤٥ ] :﴿ لِيَجْزِيَ الذين آمَنُواْ ﴾، وهو مستقبل.
وأمَّا في الفرقان :[ ٤٨ ] وفاطر [ ٩ ] فجاء بلفظ الماضي :" أرْسَلَ " لمناسبة ما قَبْلَهُ وما بعدهُ في المضي ؛ لأنَّ قبله :﴿ أَلَمْ تَرَ إلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظل ﴾ [ الفرقان : ٤٥ ]، وبعده :﴿ مَرَجَ البحرين ﴾ [ الفرقان : ٥٣ ]، فناسب ذلك الماضي، ذكره الكَرْمَانِيُّ.
والبلد يطلق على كلِّ جُزْءٍ من الأرْضِ، عامِراً كان، أو خراباً، وأنشدوا على ذلك قول الأعشى :[ البسيط ]
٢٤٩٤ - وَبَلْدَةٍ مِثْلِ ظَهْرِ التُّرْسِ مُوحِشَةٍ...
لِلجِنِّ باللَّيْلِ في حَافَاتِهَا زَجَلُ
قوله :" فَأنْزَلْنَا بِهِ " الضَّميرُ في " به " يعود على أقرب مذكورٍ، وهو " بَلَدٍ مَيّتٍ "، وعلى هذا فلا بدَّ من أن تكون الباء ظرفيّة، بمعنى أنزلنا في ذلك البلدِ الميِّتِ الماء، وجعل أبُو حيّان هذا هو الظَّاهِرُ.
وقيل : الضَّميرُ يعود على " السَّحَابِ "، ثم في " البَاءِ " وجهان :
أحدهما : هي بمعنى " مِنْ " أي : فأنزلنا من السَّحَابِ الماء.
والثاني : أنَّهَا سببيَّةٌ أي : فأنزلنا الماء بسبب السَّحَابِ.


الصفحة التالية
Icon