قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي ﴿الريح﴾ على لفظ الواحد والباقون ﴿الرياح﴾ على لفظ الجمع، فمن قرأ ﴿الرياح﴾ بالجمع حسن وصفها بقوله :﴿بَشَرًا﴾ فإنه وصف الجمع بالجمع، ومن قرأ ﴿الريح﴾ واحدة قرأ ﴿بُشرًا﴾ جمعاً لأنه أراد بالريح الكثرة كقولهم كثير الدرهم والدينار والشاة والبعير وكقوله :﴿إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ﴾ [ العصر : ٢ ] ثم قال :﴿إِلاَّ الذين ءامَنُواْ﴾ [ العصر : ٣ ] فلما كان المراد بالريح الجمع وصفها بالجمع وأما قوله :﴿نَشْراً﴾ ففيه قراءات : إحداها : قراءة الأكثرين ﴿نُشُراً﴾ بضم النون والشين، وهو جمع نشور مثل رسل ورسول، والنشور بمعنى المنشر كالركوب بمعنى المركوب، فكان المعنى رياح منشرة أي مفرقة من كل جانب والنشر التفريق، ومنه نشر الثوب، ونشر الخشبة بالمنشار.
وقال الفراء : النشر من الرياح الطيبة اللينة التي تنشر السحاب واحدها نشور وأصله من النشر، وهو الرائحة الطيبة ومنه قول امرىء القيس ونشر العطر.
والقراءة الثانية : قرأ ابن عامر ﴿نُشْراً﴾ بضم النون وإسكان الشين، فخفف العين كما يقال كتب ورسل.
والقراءة الثالثة : قرأ حمزة ﴿نَشْراً﴾ بفتح النون وإسكان الشين والنشر مصدر نشرت الثوب ضد طويته ويراد بالمصدر ههنا المفعول والرياح كأنها كانت مطوية، فأرسلها الله تعالى منشورة بعد انطوائها، فقوله :﴿نَشْراً﴾ مصدر هو حال من الرياح والتقدير : أرسل الرياح منشرات، ويجوز أيضاً أن يكون النشر هنا بمعنى الحياة من قولهم أنشر الله الميت فنشر.
قال الأعشى :
يا عجباً للميت الناشر.. فإذا حملته على ذلك وهو الوجه.
كان المصدر مراداً به الفاعل كما تقول : أتاني ركضاً أي راكضاً، ويجوز أيضاً أن يقال : أن أرسل ونشر متقاربان، فكأنه قيل : وهو الذي ينشر الرياح نشراً.
والقراءة الرابعة : حكى صاحب "الكشاف" عن مسروق ﴿نَشْراً﴾ بمعنى منشورات فعل بمعنى مفعول كنقض وحسب ومنه قولهم : ضم نشره.