انه هو الذي يرسل الرياح مبشرات برحمته، والرياح تهب وفق النواميس الكونية التي أودعها الله هذا الكون.. وحمل الرياح للسحاب يجري وفق نواميس الله في الكون أيضا، ولكنه يقع بقدر خاص، ثم يسوق الله السحاب ــ بقدر خاص منه ــ إلي ( بلد ميت ).. صحراء أو جدبا.. فينزل منه الماء ــ بقدر كذلك خاص ــ فيخرج من كل الثمرات ــ بقدر منه خاص ــ يجري كل أولئك وفق النواميس التي أودعها طبيعة الكون وطبيعة الحياة.
إن التصور الإسلامي في هذا الجانب ينفي العفوية والمصادفة في كل ما يجري في الكون.. كما ينفي الجبرية الآلية، التي تتصور الكون كأنه آلة، فرغ صانعها منها، وأودعها القوانين التي تتحرك بها، ثم تركها تتحرك حركة آلية جبرية حتمية وفق هذه القوانين...!
إنه يثبت الخلق بمشيئة وقدر، ثم يثبت الناموس الثابت والسنة الجارية، ولكنه يجعل معها القدر المصاحب لكل حركة من حركات الناموس، ولكل مرة تتحقق فيها السنة، القدر الذي ينشئ الحركة ويحقق السنة، وفق المشيئة الطليقة من وراء السنن والنواميس الثابتة. إنه تصور حي، ينفي عن القلب البلادة، بلادة الآلية والجبرية، ويدعها ابدا في يقظة وفي رقابة.. كلما حدث حدث وفق سنة الله، وكلما تمت حركة وفق ناموس الله، انتفض هذا القلب، يري قدر الله المنفذ، ويري يد الله الفاعلة، فيسبح الله ويذكره ويراقبه، ولا يغفل عنه بالآلية الجبرية ولا ينساه !.
هذا تصور يستحيي القلوب، ويستجيش العقول، ويعلقها جميعا بفاعلية الخالق المتجددة، وبتسبيح البارئ الحاضر في كل لحظة وفي كل حركة، وفي كل حدث آناء الليل وأطراف النهار.
كذلك يربط السياق
القرآني بين حقيقة الحياة الناشئة بإرادة الله وقدره في هذه الأرض، وبين النشأة الآخرة، التي تتحقق كذلك بمشيئة الله وقدره، علي المنهج الذي يراه الاحياء في نشأة هذه الحياة :( كذلك نخرج الموتي لعلكم تذكرون )....