وأصل معناه أن يتعدّى إلى المفعول بنفسه، ويكثر أن يُعدّى إلى المفعول بلام زائدة دالة على معنى الاختصاص للدّلالة على أنّ النّاصح أراد من نصحه ذات المنصوح، لا جلب خير لنفس النّاصح، ففي ذلك مبالغة ودلالة على إمحاض النصيحة، وأنّها وقعت خالصة للمنصوح، مقصوداً بها جانبه لا غير، فربّ نصيحة ينتَفع بها النّاصح فيقصد النّفعين جميعاً، وربّما يقع تفاوت بين النّفعين فيكون ترجيح نفع النّاصح تقصيراً أو إجحافاً بنفع المنصوح.
وفي الإتيان بالمضارع دلالة على تجديد النّصح لهم، وإنّه غير تاركه من أجل كراهيتهم أو بذاءتهم.
وعقب ذلك بقوله :﴿ وأعلم من الله ما لا تعلمون ﴾ جمعاً لمعان كثيرة ممّا تتضمّنه الرّسالة وتأييداً لثباته على دوام التّبليغ والنّصح لهم، والاستخفاف بكراهيتهم وأذاهم، لأنّه يعلم ما لا يعلمونه ممّا يحمله على الاسترسال في عمله ذلك، فجاء بهذا الكلام الجامع، ويتضمّن هذا الإجمالُ البديعُ تهديداً لهم بحلول عذاب بهم في العاجل والآجل، وتنبيهاً للتّأمّل فيما أتاهم به، وفتحاً لبصائرهم أن تتطلب العلم بما لم يكونوا يعلمونه، وكل ذلك شأنه أن يبعثهم على تصديقه وقبوللِ ما جاءهم به.
و﴿ من ﴾ ابتدائية أي : صار لي علم وارد من الله تعالى، وهذه المعاني التي تضمّنها هذا الاستدراك هي ما يُسلِّم كلّ عاقل أنّها من الهدى والصّلاح، وتلك هي أحواله، وهم وصفوا حاله بأنّه في ضلال مبين، ففي هذا الاستدراك نعي على كمال سفاهة عقولهم.
وانتقَل إلى كشف الخطأ في شبهتهم فعطف على كلامه. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٨ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon