وقال ابن عاشور :
والأظهر أنّ :﴿ وقع ﴾ معناه حَق وثبت، من قولهم للأمر المحقّق : هذا وَاقع، وقولهم للأمر المكذوب : هذا غير واقع، فالمعنى حَقّ وقُدر عليكم رجس وغضب.
فالرّجس هو الشّيء الخبيث، أطلق هنا مجازاً على خبث الباطن، أي فساد النّفس كما في قوله تعالى :﴿ فزادتهم رجساً إلى رجسهم ﴾ [ التوبة : ١٢٥ ] وقوله ﴿ كذلك يجعل الله الرّجس على الذين لا يؤمنون ﴾ [ الأنعام : ١٢٥ ].
والمعنى أصاب الله نفوسهم بالفساد لكفرهم فلا يقبلون الخير ولا يصيرون إليه، وعن ابن عبّاس أنّه فَسَّر الرّجس هنا باللّعنة، والجمهور فسّروا الرّجس هنا بالعذاب، فيكون فعل :﴿ وقَعَ ﴾ من استعمال صيغة المضي في معنى الاستقبال، إشعاراً بتحقيق وقوعه؟ ومنهم من فسّر الرّجس بالسّخط، وفسّر الغضب بالعذاب، على أنّه مجاز مرسَل لأنّ العذاب أثر الغضب، وقد أخبَر هود بذلك عن علم بوحي في ذلك الوقت أو من حين أرسله الله، إذْ أعلمه بأنّهم إن لم يرجعوا عن الشّرك بعد أن يُبَلِّغهم الحجّة فإنّ عدم رجوعهم علامة على أنّ خبث قلوبهم متمكّن لا يزول، ولا يرجى منهم إيمان، كما قال الله لنوح :﴿ لن يُؤمن من قومك إلاّ مَن قد آمن ﴾ [ هود : ١٣٦ ].
وغضب الله تقديره : الإبعاد والعقوبة والتّحقير، وهي آثار الغضب في الحوادث، لأنّ حقيقة الغضب : انفعال تنشأ عنه كراهيّة المغضوب عليه وإبعادُه وإضراره.
وتأخير الغضب عن الرّجس لأنّ الرّجس، وهو خبث نفوسهم، قد دلّ على أنّ الله فطرهم على خبث بحيث كان استمرارهم على الضّلال أمراً جِبلّياً، فدلّ ذلك على أنّ الله غضب عليهم.
فوقوع الرجس والغضب عليهم حاصل في الزّمن الماضي بالنّسبة لوقت قول هود.
واقترانُه بـ ﴿ قد ﴾ للدّلالة على تقريب زمن الماضي من الحال : مثل قَد قامت الصّلاة.