وكان مسلماً يكتم إسلامه وجهلمة بن الخيبري، قال معاوية بن بكرة : ثمّ بعثوا لقمان ابن عاد بن صد بن عاد الأكبر، فانطلق كل رجل من هؤلاء القوم ومعه رهط من قومه حتّى بلغ [ عدّة فعدّهم ] سبعين رجلاً فلمّا قدموا مكّة نزلوا على معاوية بن بكر وهو بظاهر مكّة خارجاً من الحرم. فأنزلهم وأكرمهم وكانوا إخوانه وأصهاره فأقاموا عنده شهراً يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان قينتان لمعاوية بن بكر، وكان مسيرهم شهراً ومقامهم شهراً، فلما رأى معاوية بن بكر طول مقامهم وقد بعثهم قومهم يتغوّثون من البلاء الذي أصابهم أشفق ذلك عليه وقال : هلك إخواني وأصهاري وهؤلاء يقيمون عندي وهم ضيفي والله ما أدري كيف أصنع بهم إنّي لأستحي أن آمرهم بالخروج إلى ما بعثوا له فيظنون أنّه ضِيق منّي ببقائهم عندي، وقد هلك من ورائهم من قومهم [ جدباً ] وعطشاً، فشكى ذلك من أمرهم إلى قينيتيه الجرادتين فقالتا : اصنع شعراً نغني به لا يدرون من قاله لعلّ ذلك [ يحرّكهم ].
فقال معاوية بن بكر :
لعل الله يسقينا غماماً... ألا يا قيل ويحك قم فهينم
قد أمسوا لا يبينون كلاما... فيسقي أرض عاد ان عاداً
به الشيخ الكبير ولا الغلاما... من العطش الشديد فليس نرجو
فقد أمست نساؤهم عيامىً... وقد كانت نسائهم بخير
ولا يخشى لعادي سهاماً... وإن الوحش يأتيهم جهاراً
نهاركم وليلكم إلتماما... وأنتم ههنا فيما أشتهيتم
قوم ولا لقوا التحيّة والسلاما... فقبح وفدكم من وفد
فلما قال الشعر غنتهم به الجرادتان فلما سمع القوم قال بعضهم لبعض : إنّما بعثكم قومكم يتغوّثون بكم من هذا البلاء الذي نزل بهم وقد أطلتم عليهم فادخلوا هذا الحرم واستسقوا لقومكم، وقال مرثد بن سعد بن عفير : إنكم والله ما تسقون بدعائكم ولكن إن أطعتم نبيّكم وأنبتم إليه سقيتم، فأظهر إسلامة عند ذلك فقال جلهمة بن [ الخيبري ] خال معاوية حين سمع قوله وعرف أنّه اتبع دين هود ( عليه السلام ) :