ومحلّ الامتنان هو أن جعل منازلهم قسمين : قسم صالح للبناء فيه، وقسم صالح لنحت البيوت، قيل : كانوا يسكنون في الصّيف القصور، وفي الشّتاء البيوتَ المنحوتة في الجبال.
وتفريع الأمر بذِكْر آلاءِ الله على قوله :﴿ واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد ﴾ تفريع الأعم على الأخصّ، لأنّه أمَرهم بذكر نعمتين، ثمّ أمرهم بذكر جميع النّعم التي لا يحصونها، فكان هذا بمنزلة التّذييل.
وفعل :﴿ اذكروا ﴾ مشتقّ من المصدر، الذي هو بضمّ الذّال، وهو التذَكَّر بالعقل والنّظر النّفساني، وتذكّر الآلاء يبعث على الشّكر والطّاعة وترك الفساد، فلذلك عطف نهيهم عن الفساد في الأرض على الأمر بذكر آلاء الله.
﴿ ولا تعثوا ﴾ معناه ولا تفسدوا، يقال : عَثِيَ كَرضِي، وهذا الأفصح، ولذلك جاء في الآية بفتح الثّاء حين أسند إلى واو الجماعة، ويقال عَثا يعثو من باب سَما عثواً وهي لغة دون الأولى، وقال كراع، كأنّه مقلوب عاث.
والعَثْيُ والعَثْو كلّه بمعنى أفسد أشدّ الإفساد.
ومفسدين حال مؤكّدة لمعنى ﴿ تعثوا ﴾ وهو وإن كان أعمّ من المؤكَّد فإنّ التّأكيد يحصل ببعض معنى المؤكَّد. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٨ صـ ﴾