والقول الثاني : أنها إنما كانت آية لأجل أن لها شرب يوم، ولجميع ثمود شرب يوم، واستيفاء ناقة شرب أمة من الأمم عجيب، وكانت مع ذلك تأتي بما يليق بذلك الماء من الكلأ والحشيش.
والقول الثاني : أن وجه الإعجاز فيها أنهم كانوا في يوم شربها يحلبون منها القدر الذي يقوم لهم مقام الماء في يوم شربهم.
وقال الحسن : بالعكس من ذلك، فقال إنها لم تحلب قطرة لبن قط، وهذا الكلام مناف لما تقدم.
والقول الرابع : أن وجه الإعجاز فيها أن يوم مجيئها إلى الماء كان جميع الحيوانات تمتنع من الورود على الماء، وفي يوم امتناعها كانت الحيوانات تأتي.
واعلم أن القرآن قد دل على أن فيها آية، فأما ذكر أنها كانت آية من أي الوجوه فهو غير مذكور والعلم حاصل بأنها كانت معجزة من وجه ما لا محالة والله أعلم.
المسألة الثانية :
قوله :﴿هذه ناقة الله لكم آية﴾ فقوله :﴿آية﴾ نصب على الحال أي أشير إليها في حال كونها آية، ولفظة ( هذه ) تتضمن معنى الإشارة، و ﴿آية﴾ في معنى دالة.
فلهذا جاز أن تكون حالاً.
فإن قيل : تلك الناقة كانت آية لكل أحد، فلماذا خص أولئك الأقواك بها ؟ فقال :﴿هذه ناقة الله لكم آية ﴾.
قلنا : فيه وجوه : أحدها : أنهم عاينوها وغيرهم أخبروا عنها، وليس الخبر كالمعاينة.
وثانيها : لعله يثبت سائر المعجزات، إلا أن القوم التمسوا منه هذه المعجزة نفسها على سبيل الاقتراح، فأظهرها الله تعالى لهم، فلهذا المعنى حسن هذا التخصيص.
فإن قيل : ما الفائدة في تخصيص تلك الناقة بأنها ناقة الله ؟
قلنا : فيه وجوه : قيل أضافها إلى الله تشريفاً وتخصيصاً كقوله : بيت الله، وقيل : لأنه خلقها بلا واسطة، وقيل : لأنها لا مالك لها غير الله.
وقيل : لأنها حجة الله على القوم.
ثم قال :﴿فذروها تأكل في أرض الله﴾ أي الأرض أرض الله، والناقة ناقة الله، فذروها تأكل في أرض ربها، فليست الأرض لكم ولا ما فيها من النبات من إنباتكم، ولا تمسوها بسوء ولا تضربوها ولا تطردوها ولا تقربوا منها شيئاً من أنواع الأذى عن النبي ﷺ أنه قال :" يا علي أشقى الأولين عاقر ناقة صالح وأشقى الآخرين قاتلك ". أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٤ صـ ١٣١ ـ ١٣٣﴾