وفي حديث البخاري أنّ النبي ذكر في خطبته الذي عقر الناقة فقال : انبعثَ لها رجل عزيز عَارِم منيعٌ في رهطه مثل أبي زمْعة.
والعَقْر : حقيقته الجرح البليغ، قال امرؤ القيس:
تقول وقد مال الغبيط بِنَا معا...
عَقَرْتَ بعيري يا امرأ القيس فانزل
أي جرحتَه باحتكاك الغبيط في ظهره من مَيله إلى جهةٍ، ويطلق العقر على قطع عضو الحيوان، ومنه قولهم، عَقَرَ حمارَ وحش، أي ضربه بالرّمح فقطع منه عضواً، وكانوا يعقرون البعير المرادَ نحرُه بقطع عضوٍ منه حتّى لا يستطيع الهروب عند النّحر، فلذلك أطلق العقر عن النّحر على وجه الكناية قال امرؤ القيس:
ويَومَ عَقَرْتُ للعذارَى مطيَّتي...
وما في هذه الآية كذلك.
والعُتوّ تجاوز الحد في الكِبْر، وتعديته بـ ( مَن ) لتضمينه معنى الإعراض.
وأمرُ ربّهم هو ما أمرهم به على لسان صالح عليه السّلام من قوله :﴿ ولا تمسوها بسوء ﴾ [ الأعراف : ٧٣ ] فعُبّر عن النّهي بالأمر لأنّ النّهي عن الشّيء مقصود منه الأمر بفعل ضدّه، ولذلك يقول علماء الأصول إنّ النّهي عن الشّيء يستلزم الأمرَ بضدّه الذي يحصل به تحقّق الكفّ عن المنهي عنه.
وأرادوا :﴿ بما تعدنا ﴾ العذاب الذي توعَّدهم به مجملاً.
وجيء بالموصول للدّلالة على أنّهم لا يخشون شيئاً ممّا يريده من الوعيد المجمل.
فالمراد بما تتوعدنا به وصيغت صلة الموصول من مادة الوعد لأنه أخف من مادة الوعد.
وقد فرضوا كونَه من المرسلين بحرف ( إنْ ) الدّال على الشكّ في حصول الشّرط، أي إن كنتَ من الرّسل عن الله فالمراد بالمرسلين من صَدق عليهم هذا اللّقب.
وهؤلاء لجهلهم بحقيقة تصرّف الله تعالى وحكمته، يحسبون أنّ تصرّفات الله كتصرّفات الخلق، فإذا أرسل رسولاً ولم يصدّقْه المرسَل إليهم غَضِب الله واندَفع إلى إنزال العقاب إليهم، ولا يعلمون أنّ الله يُمهل الظّالمين ثمّ يأخذهم متى شاء. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٨ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon