و ﴿ مِنْ ﴾ الأولى صلة لتأكيد النفي وإفادة معنى الاستغراق والثانية للتبعيض، والجملة مستأنفة استئنافاً نحوياً مسوقة لتأكيد النكير وتشديد التقريع والتوبيخ، وجوز أن يكون بيانياً كأنه قيل : لم لا نأتيها؟ فقال : ما سبقكم بها أحد فلا تفعلوا ما لم تسبقوا إليه من المنكرات لأنه أشد، ولا يتوهم أن سبب إنكار الفاحشة كونها مخترعة ولولاه لما أنكرت إذ لا مجال له بعد كونها فاحشة.
ووجه كون هذه الجملة مؤكدة للنكير أنها مؤذنة باختراع السوء ولا شك أن اختراعه أسوأ إذ لا مجال للاعتذار عنه كما اعتذروا عن عبادتهم الأصنام مثلاً بقولهم : انا ﴿ وَجَدْنَا ءابَاءنَا ﴾ [ الزخرف : ٢٢، ٢٣ ].
وجوز أبو البقاء كون الجملة في موضع الحال من المفعول أو الفاعل، والنيسابوري جوز كونها صفة للفاحشة على حد
: ولقد أمر على اللئيم يسبني...
ورد بأن الفاحشة هنا متعينة دون اللئيم، وكيفما كان فالمراد من نفي سبق أحد بها إياهم كونهم سابقين بها كل أحد ممن عداهم من العالمين لا مساواتهم الغير بها، فقد أخرج البيهقي وغيره عن عمرو بن دينار ( قال ما نزا ذكر حتى كان قوم لوط )، والذي حملهم على ذلك كما أخرج ابن عساكر وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم كانت لهم ثمار في منازلهم وحوائطهم وثمار خارجة على ظهر الطريق وانهم أصابهم قحط وقلة من الثمار فقال بعضهم لبعض : إنكم إن منعتم ثماركم هذه الظاهرة من أبناء السبيل كان لكم فيها عيش قالوا : بأي شيء نمنعها؟ قالوا : اجعلوا سنتكم أن تنكحوا من وجدتم في بلادكم غريباً وتغرموه أربعة دراهم فإن الناس لا يظهرون ببلادكم إذا فعلتم ذلك ففعلوه واستحكم فيهم.
وفي بعض الطرق أن إبليس عليه اللعنة جاءهم عند ذكرهم ما ذكروا في هيئة صبي أجمل صبي رآه الناس فدعاهم إلى نفسه فنكحوه ثم جرؤوا على ذلك.
وجاء من رواية ابن أبي الدنيا عن طاوس أن قوم لوط إنما أتوا أولاً النساء في أدبارهن ثم أتوا الرجال.
وفي قول :﴿ مّن العالمين ﴾ دون من الناس مبالغة لا تخفى. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٨ صـ ﴾