ولما كان المقصود بيان أنهم أسرعوا إجابته بما ينكيه أضمر ما لا يشكل بالإضمار، أو أنه لما كان السياق لبيان الخبيث بين أنه لا أخبث من هؤلاء الذين بلغ من رذالتهم أنهم عدوا الطاهرين المتطهرين مما يصان اللسان عن ذكره فقال تعالى مشيراً إلى ذلك في حكاية قولهم :﴿أخرجوهم﴾ أي المحدث عنهم، وهم لوط ومن انضم إليه ﴿من قريتكم﴾ والمراد ببيان الإسراع في هذا تسلية النبي ﷺ من رد قومه لكلامه لئلا يكون في صدره حرج من إنذارهم، ثم عللوا إخراجهم بقولهم :﴿إنهم أناس﴾ أي ضعفاء ﴿يتطهرون﴾ وكأنهم قصدوا بالتفعل نسبتهم إلى محبة هذا الفعل القبيح، وأن تركهم له إنما هو تصنع وتكليف لنفوسهم بردها عما هي مائلة إليه، وإقبال على الطهر من غير وجهة وإظهار له رياء بما أشار إليه إظهار تاء التفعيل، وفيه مع ذلك حرف من السخرية، وحصر جوابهم في هذا المعنى المؤدي بهذا اللفظ لا ينافي آية العنكبوت القائلة ﴿فما كان جواب قومه إلا قالوا ائتنا بعذاب الله﴾ [ العنكبوت : ٢٩ ]، لأن إطلاق الجواب على هذا يجوز، والمعنى : فما كان قولهم في جوابه إلا إتيانهم بما لا يصلح جواباً، وذلك مضمون هذا القول وغيره مما لا يتعلق بالجواب، أو أن هذا الجواب لما كان - لما فيه من التكذيب والإيذان بالإصرار والإغلاظ لرسول الله ﷺ - مستلزماً للعذب، كانوا كأنهم نطقوا به فقالوا ﴿ائتنا بعذاب الله﴾، جعل نطقهم بالسبب نطقاً بالمسبب، أو أنهم استعملوا لكل مقام مقالاً، ويؤيده أن المعنى لما اتحد هنا وفي النمل حصر الجواب في هذا، أي فما كان جوابهم لهذا القول إلا هذا ؛ ولما زادهم في العنكبوت في التقريع فقال :﴿أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر﴾ [ العنكبوت : ٢٩ ] أتوه بأبلغ من هذا تكذيباً واستهزاء فقالوا ﴿ائتنا بعذاب الله﴾ - الآية. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٦٣ ـ ٦٤﴾

فصل


قال الفخر :


الصفحة التالية
Icon