والتّطهر تكلّف الطّهارة، وحقيقتُها النّظافة، وتطلق الطّهارة مجازاً على تزكية النّفس والحذر من الرذائل وهي المراد هنا، وتلك صفة كمال، لكن القوم لمّا تمرّدوا على الفسوق كان يعُدّون الكمال منافراً لطباعهم، فلا يطيقون معاشرة أهل الكمال، ويذمّون ما لهم من الكمالات فيُسمّونها ثقلاً، ولذا وصَفُوا تنزه لوط عليه السّلام وآله تطهّراً، بصيغة التكلّف والتصنُّع، ويجوز أن يكون حكاية لما في كلامهم من التّهكّم بلوط عليه السّلام وآلِه، وهذا من قلب الحقائق لأجل مشايعة العوائد الذّميمة، وأهل المجون والانخلاع، يسمّون المتعفّف عن سيرتهم بالتّائب أو نحو ذلك، فقولهم :﴿ إنّهم أناس يتطهرّون ﴾ قصدوا به ذمّهم.
وهُم قد علموا هذا التّطهر من خلق لوط عليه السّلام وأهله لأنّهم عاشروهم، ورأوا سِيرتهم، ولذلك جيء بالخبر جملة فعليّة مضارعيّة لدلالتها على أنّ التّطهر متكرّر منهم، ومتجدّد، وذلك أدعَى لمنافِرتهم طباعهم والغضب عليهم وتجهّم إنكار لوط عليه السّلام عليهم. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٨ صـ ﴾