ولا تظهر الدلالة على أن المراد بالصراط سبيل الحق من قوله ﴿ وتصدون عن سبيل اللهِ ﴾ كما ذكر بل الظاهر التغاير لعموم كل صراط وخصوص سبيل الله فيكون ﴿ بكل صراط ﴾ حقيقة في الطرق، و﴿ سبيل الله ﴾ مجاز عن دين الله والباء في ﴿ بكل صراط ﴾ ظرفية نحو زيد بالبصرة أي في كل صراط وفي البصرة والجمل من قوله ﴿ توعدون ﴾ ﴿ وتصدون ﴾ ﴿ وتبغونها ﴾ أحوال أي موعدين وصادّين وباغين والإيعاد ذكر إنزال المضار بالموعد ولم يذكر الموعد به لتذهب النفس فيه كل مذهب من الشرّ لأن أوعد لا يكون إلا في الشر وإذا ذكر تعدى الفعل إليه بالباء.
قال أبو منصور الجواليقي : إذا أرادوا أن يذكروا ما يهددوا به مع أوعدت جاؤوا بالباء فقالوا : أوعدته بالضرب ولا يقولون أعدته الضرب والصدّ يمكن أن يكون حقيقة في عدم التمكين من الذهاب إلى الرسول ليسمع كلامه ويمكن أن يكون مجازاً عن الإيعاد من الصادّ بوجه ما أوعن وعد المصدود بالمنافع على تركه و﴿ من آمن ﴾ مفعول بتصدون على إعمال الثاني ومفعول ﴿ توعدون ﴾ ضمير محذوف والضمير في ﴿ به ﴾ الظاهر أنه على ﴿ سبيل الله ﴾ وذكره لأن السبيل تذكر وتؤنث، وقيل عائد على الله، وقال الزمخشري :( فإن قلت ) : إلام يرجع الضمير في آمن به، ( قلت ) : إلى كلّ صراط تقديره توعدون من آمن به وتصدون عنه فوضع الظاهر الذي هو سبيل الله موضع الضمير زيادة في تقبيح أمرهم دلالة على عظم ما يصدّون عنه انتهى وهذا تعسّف في الإعراب لا يليق بأن يحمل القرآن عليه لما فيه من التقديم والتأخير ووضع الظاهر موضع المضمر من غير حاجة إلى ذلك وعود الضمير على أبعد مذكور مع إمكان عوده على أقرب مذكور الإمكان السائغ الحسن الراجح وجعل ﴿ من آمن ﴾ منصوباً بتوعدون فيصير من إعمال الأوّل وهو قليل.