قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ ؟ يَعْنِي : أَنَعُودُ فِي مِلَّتِكُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ حَتَّى حَالِ الْكَرَاهَةِ لَهَا النَّاشِئَةِ عَنِ اعْتِقَادِ بُطْلَانِهَا وَقُبْحِهَا، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْفَسَادِ فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ ؟ فَالِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ وَ (لَوْ) لِلْغَايَةِ، أَوْ : أَتَأْمُرُونَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا، وَتُهَدِّدُونَنَا بِالنَّفْيِ مِنْ وَطَنِنَا، وَالْإِخْرَاجِ مِنْ دِيَارِنَا إِنْ لَمْ نَفْعَلْ، وَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ لِكُلٍّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ ؟ عَلَى الْأَصْلِ فِيمَا يُحْذَفُ مُتَعَلِّقُهُ، وَهُوَ أَنْ يَتَنَاوَلَ كُلَّ مَا يَصْلُحُ لَهُ، فَالِاسْتِفْهَامُ لِلتَّعَجُّبِ مِنْ صَنِيعِهِمْ وَاسْتِنْكَارِ طَلَبِهِمْ، وَرَفْضِهِ بِدُونِ مُبَالَاةٍ، وَوَجْهُ كُلٍّ مِنَ الْإِنْكَارِ وَالتَّعَجُّبِ جَهْلُ هَؤُلَاءِ الْمَلَأِ بِكُنْهِ الدِّينِ وَالْمِلَّةِ، وَكَوْنِهِ عَقِيدَةً يُدَانُ اللهُ بِهَا، وَأَعْمَالًا يُتَقَرَّبُ إِلَيْهِ بِأَدَائِهَا، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا عَنْهَا، وَإِنَّمَا شَرَعَهَا لِتَكْمُلَ الْفِطْرَةُ الْبَشَرِيَّةُ بِالْتِزَامِهَا، وَجَهْلُهُمْ بِكَوْنِ حُبِّ الْوَطَنِ وَإِلْفِ السَّكَنِ لَا يَبْلُغُ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ وَلِجَهْلِهِمْ هَذَا ظَنُّوا أَنَّ شُعَيْبًا عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ يُؤْثِرُ هُوَ وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ التَّمَتُّعَ بِالْإِقَامَةِ فِي وَطَنِهِ، وَمُجَارَاةِ أَهْلِهِ فِي كُفْرِهِمْ وَرَذَائِلِهِمْ عَلَى مَرْضَاةِ اللهِ تَعَالَى بِالتَّوْحِيدِ الْمُطَهِّرُ لِلنَّفْسِ مِنْ أَدْرَانِ الْخُرَافَاتِ، وَبِالْفَضَائِلِ الْمُرَقِّيَةِ لِلنَّفْسِ فِي مَعَارِجِ الْكَمَالِ، ذَلِكَ بِأَنَّ الْمِلَّةَ عِنْدَ أُولَئِكَ الْخَاسِرِينَ رَابِطَةٌ تَقْلِيدِيَّةٌ