أن يكون ما يُذكر بعد الفعلِ من موانعه ودواعي إنكارِه ونفيِه حتماً ليكون قرينةً صارفةً للهمزة عن حقيقتها إلى معنى الإنكارِ والنفي، ثم لما كان المقصودُ نفيَ الحُكم على كل حال مع الاقتصار على ذكر بعضٍ منها مغنٍ عن ذكر ما عداها لاستلزام تحقّقِه معه تحققه مع غيره بطريق الأولوية وكانت حالُ الكراهةِ عند كونها قيداً لنفس العَوْدِ كذلك أي مغنياً عن ذكر سائرِ الأحوالِ ضرورة أن تحققَ العَوْدِ في حال الكراهةِ مستلزِمٌ لتحققه في حال عدمِها ألبتةَ، وعند كونِها قيداً لنفيه بخلاف ذلك أي غيرُ مغنٍ عن ذكر غيرِها ضرورة أن نفيَ العودِ في حال الكراهةِ لا يستلزم بقية في غيرهابل الأمرُ بالعكس فإن نفيَه في حال الإرادةِ مستلزمٌ لنفيه في حال الكراهةِ قطعاً.
استقام الأول لإفادته نفيَ العودِ في الحالتين مع الاقتصار على ذِكْر ما هو مغنٍ عن ذكر الآخر، ولم يستقم الثاني لعدم إفادتِه إياه على الوجه المذكور. إن قيل : فما وجهُ استقامتِهما جميعاً عند ذكرِ المعطوفَيْن معاً حيث يصِحّ أن يقال : لا نعودُ فيها لو لم نكن كارهين ولو كنا كارهين كما يصح أن يقال : أنعودُ فيها لو لم نكن كارهين ولو كنا كارهين مع أن المقدّر في حكم الملفوظِ قلنا : وجهُها أن كلاًّ منهما يفيد معنىً صحيحاً في نفسه لا أن معنى أحدِهما عينُ معنى الآخر أو متلازمان متفقانِ في جميع الأحكام، كيف لا ومدلولُ الأولِ أن العودَ منتفٍ في الحالتين ومدلولُ الثاني أن العودَ في الحالتين منتفٍ وكلا المعنيين صحيحٌ في نفسه مصحِّحٌ لنفي العَوْدِ في الحالتين مع الاقتصار على ذكر حالة الكراهة على عكس المعنى الأول فإنه مصحِّحٌ لنفيه فيهما مع الاقتصار على ذكر حالةِ الإرادة. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٣ صـ ﴾