ولما كان الله سبحانه أن يفعل ما يشاء لا واجب عليه ولا قبيح منه، أشار إلى ذلك بقوله :﴿إلا أن يشاء الله﴾ فذكر اسم الذات إشارة إلى أن له جميع الحمد لذاته ؛ ثم ذكر صفه الإحسان عياذاً من أن يراد بهم الهوان فقال :﴿ربنا﴾ أي خرق العادة فله ذلك، فهو من باب التذكر للمخاوف والإشراف على إمكان سوء العواقب للصدق في التضرع إلى الله تعالى والالتجاء إليه والاستعاذة من مكره، ولذلك أتى باسم الجلالة الجامع لجميع معاني الأسماء الحسنى وصفة الربوبية الملتمس بذكرها فعل ما يفعل لمربي الشفيق، فكأنه قال : إن عودنا في ملتكم غير ممكن عادة، والمحال عادة لا يقدر عليه إلا بقدر من الله، بل ولا توجه الهمم إليه، والله تعالى أكرام من أن يعود فيما وهبه لنا من هذا الأمر الجليل، وينزع عنا هذا اللباس الجميل، وهو صريح في أن الكفر يكون بمشيئة الله، بل ولا يكون إلا بمشيئته، وقوله :﴿وسع ربنا﴾ أي المحسن إلينا ﴿كل شيء علماً﴾ زيادة في حث أمته على الالتجاء والتبري من الحول والقوة، أي لا علم لنا بخواتم العمال والعلم لله فهو التام العلم الكامل القدرة، فهذه الجملة كالتعليل للتعليق بالمشيئة قطعاً - لما عساه أن يحدث من طمع المخاطبين في عودهم، كأنه قيل : وإنما علقنا العود بالمشيئة لنقص علومنا، فربما كان في سعة علمه قسم ثالث، وهو أن نكون في القرية على ديننا وتكونون أنتم أو لا، أو توافقوننا على ما نحن عليه، وهكذا ينبغي للمربوب، ولا ينبغي الجزم بأمر يستقبل إلا الله ربنا لإحاطة علمه، والآية تدل على انه كان في الأزل عالماً بكل شيء من الكليات والجزئيات لأن " وسع " ماض، وقد تقدم في الأنعام أن قول الخليل عليه السلام وهذا وآية الكهف من مخبر واحد - والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon