الثالث : أن قوله :﴿إِلاَّ أَن يَشَاء الله﴾ ليس فيه بيان أن الذي شاءه الله ما هو، فنحن نحمله على أن المراد إلا أن يشاء الله ربنا بأن يظهر هذا الكفر من أنفسنا إذا أكرهتمونا عليه بالقتل، وذلك لأن عند الإكراه على إظهار الكفر بالقتل يجوز إظهاره، وما كان جائزاً كان مراداً لله تعالى، وكون الضمير أفضل من الإظهار، لا يخرج ذلك الإظهار من أن يكون مراد الله تعالى، كما أن المسح على الخفين مراد الله تعالى وإن كان غسل الرجلين أفضل.
الرابع : أن قوله :﴿لَنُخْرِجَنَّكَ ياشعيب﴾ المراد الإخراج عن القرية، فيحمل قوله :﴿وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا﴾ أي القرية، لأنه تعالى قد كان حرم عليه إذا أخرجوه عن القرية، أن يعود فيها إلا بإذن الله ومشيئته.
الخامس : أن نقول يجب حمل المشيئة ههنا على الأمر، لأن قوله :﴿وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلا أَن يَشَاء الله﴾ معناه : أنه إذا شاء كان لنا أن نعود فيها.
وقوله :﴿لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا﴾ أي يكون ذلك العود جائزاً، والمشيئة عند أهل السنة لا يوجب جواز الفعل، فإنه تعالى يشاء الكفر من الكافر عندهم، ولا يجوز له فعله، إنما الذي يوجب الجواز هو الأمر.
فثبت أن المراد من المشيئة ههنا الأمر، فكان التقدير : إلا أن يأمر الله بعودنا في ملتكم فإنا نعود إليها، والشريعة التي صارت منسوخة، لا يبعد أن يأمر الله بالعمل بها مرة أخرى، وعلى هذا التقدير يسقط استدلالكم.