وعلم أنه لو كان عدماً محضاً كيف يكون، فهذه أقسام أربعة بحسب الماضي، واعتبر هذه الأقسام الأربعة بحسب الحال، وبحسب المستقبل، وبحسب المعدوم المحض، فيكون المجموع ستة عشر، ثم اعتبر هذه الأقسام الستة عشر بحسب كل واحد من الذوات والألوان والطعوم والروائح، وكذا القول في سائر المفردات من أنواع الأعراض وأجناسها، فحينئذ يلوح لعقلك من قوله :﴿وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ بحر لا ينتهي مجموع عقول العقلاء إلى أول خطوة من خطوات ساحله.
المسألة الرابعة :
قال الواحدي : قوله :﴿وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْء عِلْمًا﴾ منصوب على التمييز.
واعلم أنه عليه الصلاة والسلام ختم كلامه بأمرين : الأول : بالتوكل على الله.
فقال :﴿عَلَى الله تَوَكَّلْنَا﴾ فهذا يفيد الحصر، أي عليه توكلنا لا على غيره، وكأنه في هذا المقام عزل الأسباب، وارتقى عنها إلى مسبب الأسباب.
والثاني : الدعاء.
فقال :﴿رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق﴾ قال ابن عباس والحسن وقتادة، والسدي : احكم واقض.
وقال الفراء : أهل عمان يسمون القاضي الفاتح والفتاح لأنه يفتح مواضع الحق، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ما كنت أدري قوله :﴿رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق﴾ حتى سمعت ابنة ذي يزن تقول لزوجها : تعال أفاتحك أي أحاكمك.
قال الزجاج : وجائز أن يكون قوله :﴿افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق﴾ أي أظهر أمرنا حتى ينفتح بيننا وبين قومنا وينكشف، والمراد منه : أن ينزل عليهم عذاباً يدل على كونهم مبطلين، وعلى كون شعيب وقومه محقين، وعلى هذا الوجه فالفتح يراد به الكشف والتبيين.
ثم قال :﴿وَأَنتَ خَيْرُ الفاتحين﴾ والمراد منه الثناء على الله.
واحتج أصحابنا بهذا اللفظ على أنه هو الذي يخلق الإيمان من العبد، وذلك لأن الإيمان أشرف المحدثات، ولو فسرنا لفتح بالكشف والتبيين، فلا شك أن الإيمان كذلك.
إذا ثبت هذا فنقول : لو كان الموجد للإيمان هو العبد، لكان خير الفاتحين هو العبد، وذلك ينفي كونه تعالى خير الفاتحين. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٤ صـ ١٤٥ ـ ١٤٧﴾