فصل


قال الفخر :
﴿ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ﴾
اعلم أن شعيباً لما قرر تلك الكلمات قال :﴿الذين استكبروا﴾ وأنفوا من تصديقه وقبول قوله لا بد من أحد أمرين : إما أن ونخرجك ونخرج أتباعك من هذه القرية وإما أن تعود إلى ملتنا، والإشكال فيه أن يقال : إن قولهم :﴿أَوْ لَتَعُودُنَّ فِى مِلَّتِنَا﴾ يدل على أنه عليه السلام كان على ملتهم التي هي الكفر، فهذا يقتضي أنه عليه السلام كان كافراً قبل ذلك، وذلك في غاية الفساد، وقوله :﴿قَدِ افترينا عَلَى الله كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِى مِلَّتِكُمْ﴾ يدل أيضاً على هذا المعنى.
والجواب من وجوه :
الأول : أن أتباع شعيب كانوا قبل دخولهم في دينه كفاراً فخاطبوا شعيباً بخطاب أتباعه وأجروا عليه أحكامهم.
الثاني : أن رؤساءهم قالوا ذلك على وجه التلبيس على العوام يوهمون أنه كان منهم، وأن شعيباً ذكر جوابه على وفق ذلك الإيهام.
الثالث : أن شعيباً في أول أمره كان يخفي دينه ومذهبه، فتوهموا أنه كان على دين قومه. (١)
الرابع : لا يبعد أن يقال : إن شعيباً كان على شريعتهم، ثم إنه تعالى نسخ تلك الشريعة بالوحي الذي أوحاه إليه. (٢)
الخامس : المراد من قوله :﴿أَوْ لَتَعُودُنَّ فِى مِلَّتِنَا﴾ أي لتصيرن إلى ملتنا فوقع العود بمعنى الابتداء.
تقول العرب : قد عاد إلي من فلان مكروه، يريدون قد صار إلي منه المكروه ابتداء.
قال الشاعر :
فإن تكن الأيام أحسن مدة.. إلى فقد عادت لهن ذنوب
أراد فقد صارت لهن ذنوب، ولم يرد أن ذنوباً كانت لهن قبل الإحسان، ثم إنه تعالى بين أن القوم لما قالوا ذلك أجاب شعيب عليه السلام عن كلامهم بوجهين : الأول : قوله :﴿ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ ﴾ الهمزة للاستفهام، والواو واو الحال.
تقديره : أتعيدوننا في ملتكم في حال كراهتنا، ومع كوننا كارهين. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٤ صـ ١٤٤ ـ ١٤٥﴾
_
(١) جواب ضعيف.
(٢) بل هو فى غاية البعد وهو جواب فاسد غير مقبول.
(٣) هذا أحسن الأجوبة ـ والله أعلم ـ وقد تأتى ﴿ عاد ﴾ بمعنى صار كما فى قوله تعالى فى سورة يس ﴿ ﴾
ومن الجيب المبهر أن القرآن يستخدم هذا اللفظ ﴿أَوْ لَتَعُودُنَّ فِى مِلَّتِنَا﴾ ولم يقل : أَوْ لَتَصيرنَّ فِى مِلَّتِنَا ؛
لأن لفظ ﴿ تعودن ﴾ إن قصد به قوم شعيب ـ عليه السلام ـ صح معناه لأنهم كانوا على ملة قومهم قبل إيمانهم وتوحيدهم، وإن قصد به شعيب ـ عليه السلام ـ فيكون المعنى : أَوْ لَتَصيرنَّ فِى مِلَّتِنَا.
وقيل : إنهم خاطبوا الأكثرية ؛ لذا أدخلوا شعيبا ـ عليه السلام ـ فى الخطاب. والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon