بالمعجزات فأصروا على ذلك التكذيب ووقفوا لذلك الطبع مع حظوظهم، ومنعتهم شماختهم وشدة شكائمهم عن الإيمان لئلا يقال : إنهم خافوا أولا فيما وقع منهم من التكذيب فكانوا فيه على غير بصيرة، أو إنهم خافوا ثانياً ما قرعتهم به الرسل من الوعيد، فدخلوا جبناً فيما يعلمون بطلانه، فكان تزيين هذا لهم طبعاً على قلوبهم، فكأنه قيل : إن هذا العجب هل يقع في مثل ذلك أحد؟ فقيل : نعم، مثل ما طبعنا على قلوبهم حتى صارت مع الفهم لا تنتفع، فكأنها لا تفهم فكأنها لا تسمع ﴿كذلك يطبع الله﴾ أي الجامع لصفات الكبر ونعوت الجلال بما يجعل من الرين بما له من العظمة ﴿على قلوب الكافرين﴾ أي كل من يغطي ما أعطاه الله من نور العقل بما تدعوه إليه نفسه من الهوى عريقاً في الاتصاف بذلك فيترك آيات الله. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٧٦ ـ ٧٧﴾
فصل
قال الفخر :
ثم قال تعالى :﴿تِلْكَ القرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا﴾ قوله :﴿تِلْكَ﴾ مبتدأ ﴿والقرى﴾ صفة و ﴿نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾ خبر، والمراد بتلك القرى قرى الأقوام الخمسة الذين وصفهم فيما سبق، وهم : قوم نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، نقص عليك من أخبارها كيف أهلكت.
وأما أخبار غير هؤلاء الأقوام، فلم نقصها عليك، وإنما خص الله أنباء هذه القرى لأنهم اغتروا بطول الإمهال مع كثرة النعم فتوهموا أنهم على الحق، فذكرها الله تعالى تنبيهاً لقوم محمد عليه الصلاة والسلام عن الاحتراز من مثل تلك الأعمال.
ثم عزاه الله تعالى بقوله :﴿وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات﴾ يريد الأنبياء الذين أرسلوا إليهم وقوله :﴿فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ﴾ فيه قولان : الأول : قال ابن عباس والسدي : فما كان أولئك الكفار ليؤمنوا عند إرسال الرسل بما كذبوا به يوم أخذ ميثاقهم حين أخرجهم من ظهر آدم، فآمنوا كرهاً، وأقروا باللسان وأضمروا التكذيب.