وقال ابن عطية :
﴿ تلك ﴾ ابتداء، و﴿ القرى ﴾ قال قوم هو نعت والخبر ﴿ نقصّ ﴾ ويؤيد هذا أن القصد إنما الإخبار بالقصص.
قال القاضي أبو محمد : والظاهر عندي أن ﴿ القرى ﴾ هي خبر الابتداء، وفي ذلك معنى التعظيم لها ولمهلكها، وهذا كما قيل في ﴿ ذلك الكتاب ﴾ [ البقرة : ٢ ] أنه ابتداء وخبر، وكما قال ﷺ " أولئك الملأ "، وكقول أبي الصلت تلك المكارم وهذا كثير، وكأن في اللفظ معنى التحسر على القرى المذكورة، والمعنى : نقص عليك من أنباء الماضين لتتبين العبر وتعلم المثلات التي أوقعها الله بالماضين ثم ابتدأ الخبر عن جميعهم بقوله ﴿ ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل ﴾.
قال القاضي أبو محمد : وهذا الكلام يحتمل أربعة وجوه من التأويل، أحدها أن يريد أن الرسول جاء لكل فريق منهم فكذبوه لأول أمره ثم استبانت حجته وظهرت الآيات الدالة على صدقه مع استمرار دعوته فلجّوا هم في كفرهم ولم يؤمنوا بما تبين به تكذيبهم من قبل، وكأنه وصفهم على هذا التأويل باللجاج في الكفر والصرامة عليه ويؤيد هذا قوله ﴿ كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين ﴾ ويحتمل في هذا الوجه أن يكون المعنى فما كانوا ليؤمنوا أي ما كانوا ليوفقهم الله إلى الإيمان بسبب أنهم كذبوا قبل فكان تكذيبهم سبباً لأن يمنعوا الإيمان بعد، والثاني من الوجوه أن يريد فما كان آخرهم في الزمن والعصر ليهتدي ويؤمن بما كذب به أولهم في الزمن والعصر، بل كفر كلهم ومشى بعضهم عن سنن بعض في الكفر.


الصفحة التالية