وَلَا يُسْتَعْمَلُ الطَّبْعُ عَلَى الْقُلُوبِ إِلَّا فِي الشَّرِّ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهَا وَصَلَتْ مِنَ الْفَسَادِ إِلَى حَالَةٍ لَا تَقْبَلُ مَعَهَا خَيْرًا كَالْهُدَى وَالْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ النَّافِعِ الَّذِي هُوَ فِقْهُ الْأُمُورِ وَلُبَابُهَا، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِالْإِصْرَارِ عَلَى الشُّرُورِ وَالْمَعَاصِي اسْتِحْلَالًا وَاسْتِحْسَانًا لَهَا حَتَّى لَا يَعُودَ فِي النَّفْسِ مَوْضِعٌ لِغَيْرِهَا، قَالَ تَعَالَى فِي الْيَهُودِ : فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (٤ : ١٥٥) أَيْ : إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ؛ وَهُمُ الَّذِينَ لَمْ يُطْبَعْ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَقَالَ تَعَالَى فِي الْمُنَافِقِينَ : وَطَبَعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (٩ : ٨٧) وَمِثْلُهُ فِي سُورَتِهِمْ، وَقَالَ هُنَا : فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ أَيْ : فَهُمْ بِهَذَا الطَّبْعِ لَا يَسْمَعُونَ الْحُكْمَ وَالنَّصَائِحَ سَمَاعَ تَفَقُّهٍ وَتَدَبُّرٍ وَاتِّعَاظٍ : وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠ : ١٠١) مَا يُرَادُ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ قُلُوبَهُمْ قَدْ مُلِئَتْ بِمَا يَشْغَلُهُمْ عَنْهَا مِنْ آرَاءٍ وَأَفْكَارٍ وَشَهَوَاتٍ مَلَكَتْ عَلَيْهَا أَمْرَهَا، حَتَّى صَرَفَتْهُمْ عَنْ غَيْرِهَا فَجَعَلَتْهُمْ مِنَ الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (١٨ : ١٠٤).