أَوَّلًا فِي تَفْسِيرِ أَمْثَالِ هَذِهِ الْآيَاتِ الْمُبَيِّنَةِ لِهَذِهِ الْحَقَائِقِ، ثُمَّ فِي وَعْظِ الْأُمَّةِ بِهَا، وَإِنْذَارِهِمْ عَاقِبَةَ الْإِعْرَاضِ عَنْهَا، وَتَرْكِ الِاتِّعَاظِ بِتَدَبُّرِهَا، وَمَنْ يَقْرَأُ شَيْئًا مِنْ تَفْسِيرِهَا فَإِنَّمَا يُعْنَى بِإِعْرَابِهَا، وَالْبَحْثِ فِي أَلْفَاظِهَا، أَوْ جَدَلِ الْمَذَاهِبِ فِيهَا، ثُمَّ إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ مَعَانِيَهَا خَاصَّةً بِالْكَافِرِينَ، وَيُفَسِّرُونَ الْكَافِرِينَ بِمَنْ لَا يُسَمُّونَ أَنْفُسَهُمْ مُسْلِمِينَ، وَطَالَمَا أَنْكَرَ عَلَيْنَا بَعْضُ أَدْعِيَاءِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، أَنَّنَا جَعَلْنَا الْآيَاتِ الَّتِي نَزَلَتْ فِي الْكُفَّارِ شَامِلَةً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ مَأْفُوكِينَ عَنْ تَدَبُّرِهَا الْمُرَادِ مِنْهَا جَاهِلِينَ لِلسُّنَنِ الْعَامَّةِ فِيهَا، وَكَذَلِكَ كَانَ يَقُولُ أَهْلُ الْكِتَابِ مِنْ قَبْلِهِمْ، فَظَنُّوا كَمَا ظَنُّوا أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُحَابِي الْأَقْوَامَ لِأَجْلِ رُسُلِهِمْ، وَأَنَّهُ يُعْطِيهِمْ سَعَادَةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِجَاهِهِمْ لَا بِاتِّبَاعِهِمْ، وَقَدْ رَاجَتْ هَذِهِ الْعَقَائِدُ الْفَاسِدَةُ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَتْ تِجَارَةً لِلشُّيُوخِ الْمُقَلِّدِينَ الْجَامِدِينَ وَالدَّجَّالِينَ الضَّالِّينَ الْمُضِلِّينَ : فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (٢ : ١٦) بَلْ كَانُوا فِتْنَةً لِلْكَافِرِينَ وَحُجَّةً عَلَى الدِّينِ، كَمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ، وَفِي هَذَا السِّيَاقِ آنِفًا : أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (٤٧ : ٢٤) ؟