وقال ابن عطية :
قوله عز وجل :﴿ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ ﴾
ثم قال تعالى إنه بعد إنفاذ الحكم في الأولين بدل للخلق مكان السيئة وهي " البأساء " و" الضراء " الحسنة وهي " السراء " والنعمة، وهذا بحسب ما عند الناس، وإلا فقد يجيء الأمر كما قال الشاعر :[ البسيط ]
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت... ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
قال القاضي أبو محمد : وهذا إنما يصح مع النظر إلى الدار الآخرة والجزاء فيها، والنعمة المطلقة هي التي لا عقوبة فيها : والبلوى المطلقة هي التي لا ثواب عليها، و﴿ حتى عفواً ﴾ معناه : حتى كثروا يقال عفا النبات والريش " يعفو " إذا كثر نباته، ومن هذا المعنى قول الشاعر :[ الوافر ]
ولكنها يعضُّ السيف منها... بأسوق عافيات الشحم كوم
وعليه قوله ﷺ " أحفوا الشوارب واعفوا اللحى " وعفا أيضاً في اللغة بمعنى درس وبلى فقال بعض الناس هي من الألفاظ التي تسعتمل للضدين، أما قول زهير :
على آثار من ذهب العفاء... فيحتمل ثلاثة معانٍ الدعاء بالدرس، والإخبار به، والدعاء بنمو والنبات، كما يقال جادته الديم وسقته العهاد ولما بدل الله حالهم بالخير لطفاً بهم فنموا رأى الخلق بعد ذلك للكفر الذي هم فيه أن إصابة ﴿ الضراء والسراء ﴾ إنما هي بالاتفاق، وليست بقصد كما يخبر النبي، واعتقدوا أن ما أصابهم من ذلك إنما هو كالاتفاق الذي كان لآبائهم فجعلوه مثالاً، أي قد أصاب هذا آباءنا فلا ينبغي لنا أن ننكره، فأخبر الله تعالى أنه أخذ هذه الطوائف التي هذا معتقدها، وقوله ﴿ بغتة ﴾ أي فجأة وأخذة أسف وبطشاً للشقاء السابق لهم في قديم علمه، و﴿ السراء ﴾ السرور والحبرة، ﴿ وهم لا يشعرون ﴾ معناه وهم مكذبون بالعذاب لا يتحسسون لشيء منه ولا يستشعرونه باستذلال وغيره. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٢ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon