بِالْعَذَابِ فَجْأَةً، وَهُمْ فَاقِدُونَ لِلشُّعُورِ بِمَا سَيَحِلُّ بِهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْهَلُونَ سُنَنَ اللهِ تَعَالَى فِي الِاجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ فَلَا عَرَفُوهَا بِعُقُولِهِمْ، وَلَا هُمْ صَدَّقُوا الرُّسُلَ فِي نَذْرِهِمْ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سِيَاقِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا : فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (٦ : ٤٤) وَذَلِكَ شَأْنُ الْكَافِرِينَ وَالْجَاهِلِينَ، إِذَا مَسَّهُمُ الشَّرُّ يَئِسُوا وَابْتَأَسُوا، وَإِذَا مَسَّهُمُ الْخَيْرُ أَشَرُّوا وَبَطَرُوا، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْخَيْرُ قُوَّةً وَسُلْطَةً بَغَوْا فِي الْأَرْضِ، وَأَهْلَكُوا الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ.
أَصَابَ أَهْلَ بَيْتٍ فِي إِحْدَى الْمُدُنِ السُّورِيَّةِ نَفْحَةٌ مِنْ جَاهِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ أَبِي الْهُدَى الصَّيَّادِيِّ أَحَدِ الْمُقَرَّبِينَ مِنَ السُّلْطَانِ عَبْدِ الْحَمِيدِ فِي عَصْرِهِ، فَنَهَبُوا بِجَاهِهِ الْأَمْوَالَ، وَانْتَهَكُوا الْأَعْرَاضَ، وَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ، فَكُنَّا نَتَحَدَّثُ مَرَّةً فِي أَمْرِهِمْ فَقُلْنَا : أَلَمْ يَكُنْ خَيْرًا لِهَؤُلَاءِ لَوِ اغْتَنَمُوا هَذِهِ الْفُرْصَةَ بِاصْطِنَاعِ النَّاسِ بِالْمَعْرُوفِ وَعَمَلِ الْبِرِّ النَّافِعِ لِلْوَطَنِ، فَإِنَّ جَاهَ أَبِي الْهُدَى لَيْسَ لَهُ دَوَامٌ، وَنَحْوًا مِنْ هَذَا الْكَلَامِ، فَقَالَ السَّيِّدُ الْوَالِدُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : إِنَّ أَمْثَالَ هَؤُلَاءِ لَا يَفْهَمُونَ هَذِهِ الْحِكَمَ وَلَا يَعْقِلُونَهَا، وَلَقَدْ أَصَابَ وَالِدُهُمْ مِنْ قَبْلِهِمْ رِيَاسَةً