وإما أن يكون ملأ فرعون محتوياً على رجال من بني إسرائيل كانوا مقربين عند فرعون ومن أهل الرأي في المملكة، فهم المقصود بالخطاب، أي : يريد إخراج قومكم من أرضكم التي استوطنتموها أربعة قرون وصارت لكم موطناً كما هي للمصريين، ومقصدهم من ذلك تذكيرهم بحب وطنهم، وتقريبهم من أنفسهم، وإنساؤهم ما كانوا يلقون من اضطهاد القبط واستذلالهم، شعوراً منهم بحراجة الموقف.
وإما إنهم علموا أنه إذا شاع في الأمة ظهور حجة موسى وعَجْز فرعون وملئه أدخل ذلك فتنة في عامة الأمة فآمنوا بموسى وأصبح هو الملك على مصر فأخرج فرعونَ وملأه منها.
ويجوز أن يكون الملأ خاطبوا بذلك فرعون.
فجرَتْ ضمائر الخطاب في قوله :﴿ أن يخرجكم من أرضكم ﴾ على صيغة الجمع تعظيماً للملك كما في قوله تعالى :﴿ قال رب ارجعون ﴾ [ المؤمنون : ٩٩ ] وهذا استعمال مطرد.
والأمر حقيقته طلبُ الفعل، فمعنى ﴿ فماذا تأمرون ﴾ ماذا تطلبون أن نفعل، وقال جماعة من أهل اللغة : غلب استعمال الأمر في الطلب الصادر من العلي إلى من دونه فإذا التزم هذا كان إطلاقه هنا على وجه التلطف مع المخاطبين، وأياً ما كان فالمقصود منه الطلب على وجه الإفتاء والاشتوار لأن أمرهم لا يتعين العمل به، فإذا كان المخاطب فرعون على ما تقدم، كان مراداً من الأمر الطلب الذي يجب امتثاله كما قال ملأ بلقيس :﴿ فانظُرِي ماذا تأمرين ﴾ [ النمل : ٣٣ ].
والساحر فاعل السحر، وتقدم الكلام على السحر عند قوله تعالى :﴿ يعلمون الناس السحر ﴾ في سورة البقرة ( ١٠٢ ). أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٨ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon