ويمكن أن يقال : إن الملأ لما رأوا من موسى عليه السلام ما رأوا قال بعضهم لبعض : إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تشيرون وما تستحسنون في أمره؟ ولما رآهم فرعون أنهم مهتمون من ذلك قال لهم تنشيطاً لهم وتصويباً لما هم عليه قبل أن يجيب بعضهم بعضاً بما عنده مثل ماقالوه فيما بينهم فالتفتوا إليه وقالوا : أرجه وأخاه، فحكى سبحانه هنا مشاورة بعضهم لبعض وعرض ما عندهم على فرعون أول وهلة قبل ذكره فيما بينهم، وحكى في"الشعراء" كلامه لهم ومشاورته إياهم التي هي طبق مشاورة بعضهم بعضاً المحكية هنا وجوابهم له بعد تلك المشاورة، وعلى هذا لا يدخل العوام في الشورى، ويكون ههنا أبلغ في ذم الملأ فليتدبر والله تعالى أعلم بأسرار كلامه ﴿ وَأَرْسِلْ فِى المدائن ﴾ أي البلاد جمع مدينة، وهي من مدن بالمكان كنصر إذا أقام به، ولكون الياء زائدة كما قال غير واحد تقلب همزة في الجمع، وأريد بها مطلق المدائن، وقيل : مدائن صعيد مصر ﴿ حاشرين ﴾ أي رجالاً يجمعون السحرة، وفسره بعضهم بالشرط وهم أعوان الولاة لأنهم يجعلون لهم علامة، ويقال للواحد شرطي بسكون الراء نسبة للشرطة، وحكى في "القاموس" فتحها أيضاً، وفي الأساس أنه خطأ لأنه نسبة إلى الشرط الذي هو جمع، ونصب الوصف على أنه صفة لمحذوف ومفعوله محذوف أيضاً كما أشير إليه، وقد نص على ذلك الأجهوري.
﴿ يَأْتُوكَ بِكُلّ ساحر عَلِيمٍ ﴾
أي ماهر في السحر والفعل مجزوم في جواب الطلب.
وقرأ حمزة.
والكسائي ﴿ سَحَّارٍ ﴾ وجاء فيه الامالة وعدمها وهو صيغة مبالغة ؛ وفسره بعضهم بأنه الذي يديم السحر والساحر من أن يكون قد سحر في وقت دون وقت، وقيل : الساحر : هو المبتدىء في صناعة السحر والسحار هو المنتهى الذي يتعلن منه ذلك. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٩ صـ ﴾