وقد استضعف أبُو البقاءِ قراءة ابن كثير وهشام فإنَّهُ قال :" وَأرْجِئْهُ " يقرأ بالهمزة وضمِّ الهاء من غير إشابع وهو الجيِّد، وبالإشباع وهو ضَعِيفٌ ؛ لأنَّ الهاء خفيَّة، فكأنَّ الواو التي بعدها تتلو الهمزة، وهو قريبٌ من الجمع بين السَّاكنين ومن هاهنا ضَعْف قولهم :" عليهمي مال " بالإشْبَاع.
قال شهابُ الدِّينِ :" وهذا التَّضْعيف ليس بشيء ؛ لأنَّهَا لغة ثابتة عن العَرَبِ، أعني إشباع حركة الهاء بعد ساكن مطلقاً، وقد تقدَّم أنَّ هذا أصل لابن كثير ليس مختصاً بهذه اللَّفْظَةِ، بل قاعدته كلُّ هاء كناية بعد ساكن أنْ تُشْبع حركتها حتى تتولَّد منها حرف مدِّ نحو :" منهو، وعنهو، وأرجِئْهو " إلاَّ قبل ساكن فإن المدَّ يُحذفُ لالتقاء الساكنين إلاَّ في موضع واحد رواه عنه البَزِّيُّ وهو ﴿ عَنْهُ تلهى ﴾ [ عبس : ١٠ ] بتشديد التَّاءِ، ولذلك استضعف الزَّجَّاج قراءة الأخوين قال بعد ما أنشد قول الشَّاعر :[ الرجز ]
٢٥٣٩ - لَمَّا رَأى أنْ لا دَعُهُ وَلاَ شِبَعْ...
مَالَ إلَى أرْطَاةِ حِقْفٍ فَالطَجَعْ
" هذا شعرٌ لا يعرف قائله ولا هو بِشَيءٍ، ولو قاله شاعر مذكور لقيل له : أخطأت ؛ لأنَّ الشَّاعر يجوز أن يخطئ مذهب لا يُعَرَّج عليه ".
قال شهابُ الدِّين :" وقد تقدَّم أنَّ تسكين هاء الكناية لغة ثابتة، وتقدَّم شواهدها، فلا حاجةَ إلى الإعادة ".
قوله :" وَأخَاهُ " الأحسنُ أن يكون نسقاً على الهاء في " أرْجِهْ " ويضعف نصله على المعيَّة لإمكان النَّسق من غير ضعف لَفْظي ولا معنوي.
قال عطاءٌ :" معنى أرْجِهْ أي أخّره ".
وقيل : احبسه وأخاه، وهو قول قتادة والكَلْبِي، وهذا ضعيف لوجهين :
أحدهما : أنَّ الإرجاء في اللُّغَةِ هو التَّأخير لا الحبس.
والثاني : أنَّ فرعونَ ما كان قادراً على حبس موسى بعد أنْ شاهد العصا فأشاروا عليه بتأخير أمره وترك التَّعَرُّضِ إليه بالقتل.