وقال أبو السعود :
﴿ قَالَ أَلْقَوْاْ ﴾ غيرَ مبالٍ بأمرهم أي ألقوا ما تُلقُون ﴿ فَلَمَّا أَلْقُوْاْ ﴾ ما ألقَوْا ﴿ سَحَرُواْ أَعْيُنَ الناس ﴾ بأن خيّلوا إليهم ما لا حقيقةَ له ﴿ واسترهبوهم ﴾ أي بالغوا في إرهابهم ﴿ وَجَاءو بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ﴾ في بابه. روي أنهم ألقَوا حِبالاً غلاظاً وخشَباً طِوالاً كأنها حياتٌ ملأت الواديَ وركِبَ بعضُها بعضاً. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٣ صـ ﴾
وقال الآلوسى :
﴿ قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (١١٦) ﴾
﴿ قَالَ ﴾ أي موسى عليه السلام وثوقاً بشأنه وتحقيراً لهم وعدم مبالاة بهم ﴿ أَلْقَوْاْ ﴾ أنتم ما تلقون أو لا، وبما ذكرنا يعلم جواب ما يقال : إن إلقاءهم معارضة للمعجزة بالسحر وهي كفر والأمر به مثله فكيف أمرهم وهو هو؟ وحاصل الجواب أنه عليه السلام علم أنهم لا بد وأن يفعلوا ذلك، وإنما وقع التخيير في التقديم والتأخير كما صرح به في قوله سبحانه في آية أخرى :﴿ أَوَّلَ مَنْ ألقى ﴾ [ طه : ٦٥ ] فجوز لهم التقديم لا لإباحة فعلهم بل لتحقيرهم، وليس هناك دلالة على الرضا بتلك المعارضة، وقد يقال أيضاً : إنه عليه السلام إنما أذن لهم ليبطل سحرهم فهو إبطال للكفرة بالآخرة وتحقيق لمعجزته عليه السلام، وعلى هذا يحمل ما جاء في بعض الآثار من أنهم لما قالوا ما قالوا سمع موسى عليه السلام منادياً يقول ؛ بل ألقوا أنتم يا أولياء الله تعالى فأوجس في نفسه خيفة من ذلك حتى أمر عليه السلام، وسيجيء إن شاء الله تعالى تحقيق ذلك ﴿ فَلَمَّا أَلْقُوْاْ ﴾ ما القوا وكانمع كل واحد منهم حبل وعصا ﴿ سَحَرُواْ أَعْيُنَ الناس ﴾ بأن خيلوا إليها ما الحقيقة بخلافه، ولذا لم يقل سبحانه سحروا الناس فالآية على حد قوله جل شأنه :﴿ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسعى ﴾ [ طه : ٦٦ ] ﴿ واسترهبوهم ﴾ أي أرهبوهم إرهاباً شديداً كأنهم طلبوا إرهابهم ﴿ وَجَاءو بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ﴾ في بابه، يروى أنهم ألقوا حبالاً غلاظاً وخشباً طوالاً فإذا حيات كأمثال الجبال قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضاً.