وقال ابن عاشور :
﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا ﴾
انتقال من أخبار الرسالات السابقة إلى أخبار رسالة عظيمة لأمة باقية إلى وقت نزول القرآن فضّلها الله بفضله فلم تُوَف حق الشكر وتلقت رسولها بين طاعة وإباء وانقياد ونفار، فلم يعاملها الله بالاستيصال ولكنه أراها جزاء مختلف أَعمالها، جزاء وفاقاً، إنْ خيراً فخير، وإن شراً فشر.
وخصت بالتفضيل قصة إرسال موسى لِما تحتوي عليه من الحوادث العظيمة، والأنباء القيمة، ولأن رسالته جاءت بأعظم شريعة بين يدي شريعة الإسلام، وأرسل رسولها هادياً وشارعاً تمهيداً لشريعة تأتي لأمة أعظم منها تكون بعدها، ولأن حال المرسل إليهم أشبه بحال من أرسل إليهم محمد ﷺ فإنهم كانوا فريقيْن كثيريْن اتَبع أحدهم موسى وكفَر به الآخر، كما اتّبع محمداً عليه السلام جمع عظيم وكفر به فريق كثير، فأهلك الله من كفر ونصر من آمن.
وقد دلت ﴿ ثم ﴾ على المُهلة : لأن موسى عليه السلام بعث بعد شعيب بزمن طويل، فإنه لما توجه إلى مدين حين خروجه من مصر، رجَا الله أن يهديَه فوجد شعيباً، وكان اتصاله به ومصاهرته تدريجاً له في سلم قبول الرسالة عن الله تعالى فالمهلة باعتبار مجموع الأمم المحكي عنها قبل، فإن منها ما بينه وبين موسى قرونَ مثل قوم نوح، ومثل عاد وثمود، وقوم لوط، فالمهلة التي دلت عليها ﴿ ثم ﴾ متفاوتة المقدار، مع ما يقتضيه عطف الجملة بحرف ﴿ ثم ﴾ من التراخي الرتبي وهو ملازم لها إذا عطفت بها الجمل.
فحرف ( ثم ) هنا مستعمل في معنيي المهلة الحقيقي والمجازي.
والضمير في قوله :﴿ من بعدهم ﴾ يعود إلى القرى، باعتبار أهلها، كما عادت عليهم الضمائر في قوله ﴿ ولقد جاءتهم رسلهم ﴾ الآيتين [ الأعراف : ١٠١ ].


الصفحة التالية
Icon